وأريد أن أقف وقفة سريعة عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: {من أحصاها} ما المقصود: بإحصاء هذه الأسماء التسعة والتسعين؟ نقول: إن الإحصاء يشمل عدة أشياء: الأمر الأول: هو معرفتها وعدها، بأن يستطيع الإنسان أن يعرف هذه الأسماء التسعة والتسعين، فيقول مثلاً: هو الله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، إلى أن يستغرق تسعة وتسعين اسماً، بشرط أن تكون هذه الأسماء التي عدها من الأسماء التي ثبتت بالكتاب والسنة، أما الأسماء التي يتداولها الناس أو توجد في بعض الكتب دون أن يوجد لها دليل صحيح فلا تعد.
وبالمناسبة قد يسأل البعض ما هي الكتب التي عدت وأحصت أسماء الله عز وجل وصفاته؟ فأقول: هي كثيرة جداً ولكن من أفضلها كتاب (الأسماء والصفات) للإمام البيهقي، وكتاب (التوحيد) للإمام الحافظ ابن مندة، وكتاب (شأن الدعاء) للإمام أبي سليمان الخطابي، وقد ألف عدد من العلماء مؤلفات خاصة في أسماء الله عز وجل وصفاته، كـ الزجاج، والرازي، وغيرهما.
فالأمر الأول هو أن تستطيع أن تعد الأسماء واحداً واحداً، وتحصيها إحصاء بالأسماء وبالعدد، لكن هذا بطبيعة الحال لا يكفي! فكم من إنسان يردد هذه الأسماء بكرة وعشياً، ولا نستطيع أن نقول: إنه ينال الوعد الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو دخول الجنة، فلابد أن يترتب على معرفة الأسماء معرفة معنى كل اسم منها.
الأمر الثاني: هو معرفة معنى كل اسم من هذه الأسماء.
فمثلاً: نحن قلنا: من أسماء الله: السلام، ربما لو سألنا معظم الإخوة الحاضرين ما معنى السلام؟ لم يعرف.
ما معنى المؤمن؟ أكثرنا لا يعرف، أيضاً المتكبر، ما معنى المتكبر؟ أكثرنا لا يعرف، وهكذا فالأمر الثاني: هو المراد أو مدلول كل اسم من هذه الأسماء الحسنى.
الأمر الثالث: هو الإيمان بهذه الأسماء، وعدم تأويلها أو تحريفها عن معانيها، أو تعطيل الله عز وجل عن الصفات التي تدل عليها.
الأمر الرابع: هو ثمرة هذه الأشياء كلها وهو: التأثر بهذه الأسماء، بحيث لا تكون هذه الأسماء مجرد كلمات في اللسان، أو حتى معاني في العقل، بل تتحول إلى مشاعر في القلب، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن} فمن آمن بالله وأسماء الله كان هذا الأمر خير رادع وزاجر له عن معصية الله، فكيف تعصي الله أيها الإنسان وأنت تعرف أن من أسمائه الرقيب المطلع على الأسرار والخفيات؟ وهكذا بقية الأسماء فمن آمن بهذه الأسماء وأحصاها حق إحصائها، كانت الأسماء خير رادع وزاجر له عن المعصية، والإيمان بهذه الأسماء يوجب لك معرفة عظمة الله، وكماله، واستغنائه عز وجل استغناءً كاملاً عن كل أحد، وعن كل شيء، وبالمقابل قارن نفسك، ستجد نفسك مخلوقاً ضعيفاً مفتقراً إلى الله عز وجل افتقاراً كلياً في كل لحظة، وفي كل شأن.