Q إن له أخاً ثقيل النوم جداً ولا يصلي الفجر إلا قليلاً -أي في الوقت- ووالديَّ يجدان صعوبةً بالغةً في إيقاظه، ولا فائدة، فهما يزجان عليه الماء، وهو يقوم ويتكلم ويروح ويجيء، ولكن عند يقظته ينكر أننا عملنا معه تلك الأعمال ويكذبنا، لأنه لم يشعر بذلك كله، فهل عليه ذنبٌ في تأخيره لصلاة الفجر حتى بعد طلوع الشمس أحياناً؟
صلى الله عليه وسلم قضيةُ تأخير صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس، تحصل لكثيرٍ من الناس، ولها أسبابٌ عديدة: فبعضهم يؤخر صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس تكاسلاً وتهاوناً، وذلك لأن منهم من يسهر إلى الهزيع الأخير من الليل، وربما يكون سهره في جلسةِ لهوٍ ولعبٍ وضحكٍ مع زملائه، أو على لعبِ الورقة أو البلوت، أو على مشاهدة التلفاز، أو حتى على قراءة ثم يتأخر، فإذا نام كان جثةً هامدةً لا حراك به، فلا يستطيع أن يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، فهذا لا شكَّ أنه مقصر ومخطئ؛ لأنه لم يفعل السبب حيث خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، في التبكير في النوم، فكان صلى الله عليه وسلم: {يكره النوم قبلها والحديث بعدها} أي العشاء، ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا سمر إلا لمصَلٍ أو ذاكرٍ أو مسافر} وسيأتي تفصيل هذا.
فالتأخر في النوم إذا ترتب عليه تأخير صلاة الفجر عن وقتها، وترك الجماعة، وربما تأخيرها إلى ما بعد طلوع الشمس، يرتكب به الإنسان خطأ كبيراً، وبعض الناس قد يؤخر صلاة الفجر لأنه لا يحتاط لها، فلا يضع المنبه أو الساعة، أو التلفون، أو لا يطلب من أهله أو جيرانه أن يوقظوه، بل ينام، ومتى ما استيقظ صلىَّ وهذا أيضاً مفرِّطٌ وآثم بذلك، وبعضهم قد يجمع هذا وذاك فيتأخر ولا يضع منبهاً فلا يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس.
وآخرون من الناس وهم قلة، يكون تأخر أحدهم عن صلاة الفجر مع اتخاذ كافة الأسباب، وذلك لأنه ثقيل النوم، كما في الحالة التي وصفها السائل، ومثل هؤلاء ربما يصبُّ الماء على أحدهم ويجر ويضرب ويسحب، ويُصاح في وجهه فلا يشعر بشيءٍ مما حوله، فهذا استنفذ جميع الوسائل والأسباب الشرعية الممكنة، فلا إثم ولا حرج عليه، بل متى استيقظ صلَّى ولو لم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، وقد حدث هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما في سنن أبي داود {أن صفوان بن المعطل رضي الله عنه كان لا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس، فشكته زوجته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم إنه يمنعها من القراءة في الصلاة بأكثر من سورة، ولا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال: يا رسول الله، أما منعي لها أن تصلي بأكثر من سورة فإن السورة كافية، وأنا شابٌ لا أصبر عن أهلي، وأما صلاتي بعد طلوع الشمس، فإنا أهل بيتٍ قد عرف فينا ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا استيقظت فصلِّ} والحديث إسناده حسن.
ومعنى الحديث أن صفوان بن المعطل رضي الله عنه، قد ورث عن أهله ثِقَل النوم، وهذا موجودٌ الآن، فبعض الأسر والعوائل يكون ثِقَل النوم متوارثاً بينهم، يأخذه الأحفاد عن الأجداد، والعكس بالعكس، فمن كان فيه ثقل نومٍ لا يستطيع معه أن يستيقظ، ولو صب عليه الماء، ولو نام مبكراً، ولو وضع المنبه، ولو أيقظه أهله، فإن هذا لا يكلف ما لا يستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، بل متى استيقظ صلى؛ لكن إذا كان منه تفريطٌ فإن الله تبارك وتعالى يحاسبه عليه، ولا ينبغي أن يكون هذا الكلام حجة للكسالى الذين يفرطون، ثم يقول أحدهم: أنا ثقيلُ النوم.
فإننا نجد أن بعض من يتعللون بثقل النوم إذا ركَّب أحدهم المنبه على الدوام المدرسي، أو دوام العمل، أو كان عنده موعد في الطائرة ويحتاج أن يستيقظ، فبمجرد أن يسمع جرس المنبه يفزع كأنه ملدوغٌ وهذا ملاحظ، فإن بعض الناس يكون استيقاظه بسبب الاهتمام، فقلة الهم من أسباب ثقل النوم، وشدة الهم تجعل أعصاب الإنسان منتبهة، والمثل الذي ضربته لكم يوضح القضية، فلو كان إنسانٌ عنده موعدٌ مهم جداً، وكان سفره في الطائرة الساعة الثامنة صباحاً -مثلاً- وهو موعدٌ أساسي يترتب عليه نتائج كبيرة، يحس الإنسان بقيمتها، فإنك تجد بعض الذين يعتذرون بثقل النوم، عندما يؤقت الساعة على السابعة حتى يدرك الطائرة، بمجرد أن يسمع جرس الساعة يفزع ويقوم بسرعة، فكذلك ما يتعلق بالاستيقاظ للصلاة ينبغي أن يكون عند الإنسان من الاهتمام والحرص على الصلاة ما يجعله هكذا، فينتبه الإنسان لذلك، وفرقٌ بين من يكون تأخره لثقل النوم حقيقة، وبين من يكون تأخره لتأخره في النوم، أو لعدم الاهتمام بالصلاة، أو لعدم وجود منبه، أو ما أشبه ذلك.