فقدان العدل في النقد

تجد كثيراً من المسلمين في كثير من الأحيان فقدوا العدل في النقد، فصاروا إذا خالفوا شخصاً في موقف أو مواقف أجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، وحولوه إلى شيطان رجيم كأنه لا حسنة له قط، ولو كان من أهل لا إله إلا الله، ولو كان من الدعاة المجاهدين في سبيل الله، وإذا جاملهم شخص أو خادعهم بموقف مصلحي أحبوه وتستروا على كل أخطائه، وحولوه إلى قديس وإلى بطل عظيم.

فقد الناس الثقة بالإعلام جملةً وتفصيلاً -والحمد لله رب العلمين-، صرنا نجد داعية مجاهداً -مثلاً- نخالفه في موقف أو رأي أو قضية، فنحول هذا الإنسان إلى شيطان، ونجلب عليه، ونعتبره عميلاً للمخابرات الأمريكية والشرقية والغربية، ومجرم وطالب حكم، هدفه السياسة، وأنه تسبب في ردة الناس عن دينهم، وأنه وأنه إلخ، وصرنا نكذب بلا حساب، ونأخذ بقاعدة: اكذب واكذب واكذب، عسى أن يصدقك الناس، ونسينا أن الناس مهما كانوا أغبياء في نظركم، فلهم عقول، ويعرفون هذه الأكاذيب الملفقة ولا يمكن أن تنطلي عليهم وإذا كذبت على الناس اليوم، فإنك لا تستطيع أن تكذب عليهم غداً، وإذا كان هناك شخص من المصلحة أن يثني عليه، وأن يعجب، فإنه يتحول إلى قديس لا يسمح بأن يُنال ولو بأقل شيء.

وهذا مسلك في غاية الخطورة أين العدل؟! العدل يتطلب أنه حتى خصمك وعدوك، ينبغي أن تعترف له بالحق الذي عندك، وحتى أقرب الناس إليك ينبغي أن تعترف بالخطأ الموجود لديه، وهذا هو المنهج العلمي الموضوعي الشرعي، الذي يحفظ للإنسان كرامته ومكانته وعقله، ويجعله يثق بهذه الأجهزة الإعلامية التي من المفروض أن يكون همها وهدفها هو بناء الإنسان، بناء عقله، تكوين شخصيته، بناء الإنسان المعتدل المستقيم المنضبط، لكن -مع الأسف- لم تفلح إلا في صناعة الإنسان المزدوج المتناقض، الذي ينتقل من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، ومن أقصى الشمال إلى أقصى اليمين.

قد أصبح عندنا في كثير من الأحيان أن الناس أحد صنفين: إما عميل، فهذا نكيل له المدح بلا حساب، وإما رافض للعمالة، فهذا يُذم أيضاً بلا حساب، أما أن عندنا إنسان صديق أو متعاطف، أو حتى إنسان محايد، فهذه كأنه لا وجود لها في حياة كثير منا اليوم، فضلاً عن أن يوجد عدو تداريه، أو تقلل من عداوته بقدر ما تستطيع، فضلاً عن أن نتخذ مبدأ الإنصاف، وهو مبدأ شرعي يغير النظر إلى المصالح الذاتية، أو المصالح الشخصية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015