فوائد من الحديث

وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثلاث فوائد عظيمة: الفائدة الأولى: أن الإنسان مفطور على أشياء كثيرة، خُلق عليها وجبل عليها، وهي ما تسمى بـ"الفطرة".

والفطرة: هي ما جُبل الإنسان عليه في أصل الخلقة من الأشياء الظاهرة والباطنة، تلك الأشياء التي هي من مُقتضى الإنسانية، والتي يكون الإخلال بها أو مخالفتها خروجًا عن الإنسانية، إما خروجاً كلياً أو خروجاً جزئياً.

هذه هي الفطرة على أصح أقوال أهل العلم.

وهذا هو المعنى الذي اختاره عدد من العلماء: كـ ابن دقيق العيد، وابن القيم، والسيوطي، وغيرهم.

الفائدة الثانية: أن الإسلام بل الرسالات السماوية كلها جاءت موافقةً للفطرة، ومؤيدةً لها، ومنطلقةً منها؛ ولذلك كان الإسلام دين الفطرة، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِينُ القَيّم} [الروم:30] وهكذا الرسالات السماوية الأخرى كلها جاءت موافقة للفطرة في الظاهر وفي الباطن.

الفائدة الثالثة: إن هناك وسائل ومناهج أخرى يمكن أن يسلكها الإنسان وهي معارضة للفطرة ومخالفة لها؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام أُتي بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر.

فالإناء الذي فيه اللبن: هو رمزٌ لإشباع الفطرة وتوجيهها بالطريقة الصحيحة التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام.

والإناء الآخر فيه خمر، وهو إشارة أو رمز إلى من يوجهون الفطرة توجيهاً منحرفاً، ويستغلون هذه الأشياء التي جبل عليها الإنسان استغلالاً سيئاً.

ولذلك سيكون حديثي في هذه الليلة في ثلاث نقاط: أولاها: ذكر الفطرة، والأشياء التي فُطر عليها الإنسان.

والثانية: هي ذكر موقف الإسلام من الفطرة.

والثالثة: هي ذكر موقف الجاهلية أو المناهج المنحرفة من هذه الفطرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015