Q نلاحظ أن بعض الزملاء في الأقسام الشرعية لديهم نوع من الإقلال بقيمة علم الاجتماع وخدمته الاجتماعية، وذلك بدعوى أن هذه العلوم تستند في بعض النظريات على الأفكار الغربية، وبالتالي تقلل من قيمة هذا العلم، والسؤال هو: ما رأيك في هذا الموضوع باعتبارك داعية إسلامي ومصلحاً اجتماعياً؟ وكيف نرد على من يقول: إن المجتمع السعودي مجتمع وهابي؟
صلى الله عليه وسلم السؤال فيه أكثر من نقطة: النقطة الأولى: موقف بعض الدارسين في المجالات الشرعية من هذه العلوم، وقد أومأت في حديثي السابق إلى شيء من ذلك، فأنا أسمع من بعض الدعاة، وبعض الشيوخ، من قد ينتقد هذا العلم نقداً إجمالياً، حتى أن منهم من يصم من يَدْرُسون أو يُدَرِّسُون بوصمات لا يوافًق عليها، وينظر إلى هذا العلم على أنه علم يخدم أهداف اليهود، باعتبار أن جوسكوند ودور كايم وغيرهم ممن يحسبون على طائفة معينة، ولكن الذي أراه أنا أن هذه العلوم وإن كان واقعها الآن واقعاً مراً، وهذا يجب أن نعترف به، لأن كثيراً من كتبها ودراساتها حتى في الجامعات العربية مترجمة كأفكار، ولا زال الميدان فسيحاً واسعاً أمام الدراسات الإسلامية الأصلية، ولا شك أن الإنسان قد يكون عالماً في مجال وهو في نفس الوقت أمي في مجال آخر، وحتى نكون واقعيين وعمليين، قد تجد إنساناً متخصصاً في أي علم من العلوم أو في التاريخ أو في الاجتماع أو في الاقتصاد أو في السياسة أو في أي علم، ولو جئته في المجالات الشرعية وهي مجالات ينبغي أن يهتم بها كل إنسان، قد لا تجد لديه الكفاية في مجال العلوم الشرعية، على الأقل فيما يحتاجه هو ومن حوله في تقديم هذا العلم الذي يملكه؛ بحيث يقدمه بصورة إسلامية.
ونفس الوضع قد يوجد لدى بعض الدارسين في المجالات الشرعية، فقد تجده عالماً أو متخصصاً في الحديث أو الفقه، أو التفسير، لكن معلوماته عن هذه العلوم الأخرى ليست كما ينبغي، ولذلك قد يكون حكمه عليها ليس حكم الدارس الفاحص المدقق، بل حكماً ربما يكون حكماً مزاجياً أو حكماً عاطفياً، والناس بصفة عامة قد يعذرون في هذا، لأنهم يحكمون على الواقع.
وإذا كان واقع كثير من هذه العلوم كما هو معروف، فإن دورنا -في نظري- يتركز في أمرين: الأمر الأول: إرساء قواعد علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم التربية وعلم الاقتصاد وغيرها، على أسس إسلامية، بحيث نقدم للناس بديلاً صالحاً في هذه العلوم، يقوم على الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، حتى نقنع الناس إقناعاً عملياً بأن كل هذه العلوم يمكن أن تصاغ بصورة إسلامية، وتخدم الإسلام وتخدم الدعوة إلى الله عز وجل.
الأمر الثاني: توعية الناس بأن هذه العلوم قابلة لأن تصاغ صياغة إسلامية، وأن هذه العلوم في أصلها يمكن أن نقول عنها: إنها علوم محايدة، لكن يكتب فيها -مثلاً- عالم يهودي، فيفرز وينقش فيها تعاليم التلمود، وأهداف اليهود، ويكتب فيها عالم مسلم فيستطيع أن يصوغها بصورة إسلامية، ويستدل لها من القرآن والسنة.