نظرة الإسلام إلى الإنسان

ولذلك تجدون الفارق الكبير بين نظرة الإسلام للإنسان وبين نظرة الحضارات المادية، فالإسلام ينظر للإنسان على أنه كائن له إرادته، وهذه الإرادة لا شك أنها ليست إرادة مستقلة، بل هي خاضعة لإرادة الله تعالى قال الله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] ولكن له إرادة، أما تلك الحضارات الغربية والنظريات، فإنها تنظر للإنسان على أنه مجبر، يقع تحت حتميات معينة، قد تكون حتميات اقتصادية كما في نظرية ماركس، وقد تكون حتميات اجتماعية كما هي عند دور كايم، وقد تكون حتميات نفسية، المهم أن الإنسان يقع تحت طائلة حتميات معينة، وكأنه نزس في آلة مسير غير مخير عند هؤلاء القوم، وبذلك يفقد الإنسان قيمته وإنسانيته، وقدرته على الارتفاع والتسامي والإشراق، يفقد ذلك كله.

وينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه خلق بصفة معينة، وله خصائص معينة لا يمكن أن يغادرها، وهي مقتضى إنسانيته، في مقابل أن أمامه مجالات رحبة للارتفاع، ولذلك -مثلاً- في الوقت الذي يذكر الله تبارك وتعالى فيه في القرآن الكريم صفات الإنسان وخصائصه، يبين الله عز وجل في القرآن، وكذلك يبين الرسول عليه الصلاة والسلام في السنة أن أمام الإنسان مجالات واسعة للارتفاع والإشراق، حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة مائة درجة، بين كل درجة وأخرى كما بين السماء والأرض} هذه الدرجات بحسب إشراق الإنسان، وارتفاعه وإيمانه وأعماله الصالحة.

هذه هي نظرة الإسلام للإنسان، في حين أن تلك النظريات تخضع الإنسان لعوامل التطور بلا حدود، كما تخضع جميع الكائنات الأخرى، وهذه النظرية نظرية التطور التي يطبقونها على كل شيء، أصبحوا يطبقونها على الإنسان دون تمييز، إضافة إلى أنهم ينظرون إلى الإنسان باعتباره حيواناً ولا يميزونه عن غيره، وقد يجرون دراسات على القردة مثلاً، ويعتبرون أن هذه الدراسات قد تكون منطبقة على الإنسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى.

فنحن ننظر باعتبارنا مسلمين إلى الإسلام على أنه مميز على جميع المخلوقات الأخرى، من الحيوانات وما شاكلها، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] ولست أقصد الآن الدخول في التمييز بين الإنسان والملائكة، فهذا مبحث آخر.

لكن أقول: إن الإنسان في الإسلام كائن له قيمته وتميزه وسيادته في هذا الكون، الذي خلقة الله تعالى وسخره للإنسان، فالنظرة إلى الإنسان على أنه حيوان أو على أنه آلة مسيرة، نظرة تنحط بالإنسان عن وضعه الطبيعي الذي وضعه الله تعالى فيه.

وكثير من الجامعات الإسلامية تدرس الآن علم الاجتماع كما عرضه دور كايم الفرنسي، أو غيره من علماء الاجتماع الغربيين، وتغفل النظرة الإسلامية للإنسان وللمجتمع، ومهمة الباحث المسلم ليس أن يتلقى ما كتبه الغربيون بروح المهزوم، الذي يعتبر أنهم وصلوا إلى النهاية، وأنه مجرد مترجم لأفكارهم، بل مهمته أن يصوغ علم اجتماع إسلامي وعلم نفس إسلامي وعلم اقتصاد إسلامي من واقع القرآن والسنة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتابات العلماء السابقين المتفرقة، الموجودة كما أسلفت في بعض الكتب التاريخية، وفي بعض الكتب الحديثية، وفي بعض الدراسات الدعوية، وهناك كتب مستقلة مصنفة في هذا الباب منذ القدم، وفي بعض الكتب الأدبية التي تحدثت عن جوانب معينة من الإنسان.

هذه إشارة عابرة حول موضوع علم الاجتماع، والواجب الذي يتحمله الدارس في هذا العلم، وأترك المجال للأسئلة، سواء كانت مكتوبة أم شفهية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015