وهو على ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله تعالى، وصبر عن معصيته، وصبر على امتحانه وقضائه وقدره.
ومعنى النوعين الأولين: الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية: معناه الثبات على الدين فعلاً لما أمر الله تعالى وتركاً لما نهى، واستمراراً على ذلك فلا تصرفه عنه الصوارف، وهذا أكمل وأعظم من النوع الثالث الذي هو الصبر على المصيبة، إذ أن صبر الإنسان على المصيبة كصبر المضطر الذي لا يملك إلا الصبر، فالمصيبة واقعة كالموت مثلاً، أو المرض أو البلاء الذي ينزل بالإنسان بلا رغبة ولا اختيار، وبالمناسبة فإن من المصادفة أن تأتيني رسالة من إحدى الأخوات في بلد إسلامي منكوب -في الجزائر- لإحدى بنياتي تعزيها بوفاتي، وتقول: بلغنا وفاة فلان فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، وتدعوها إلى أن تصبر وتحتسب ما أصابها في ذات الله تعالى، فالحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور.
أقول: إن الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله تعالى، أعظم وأكمل من الصبر على القضاء والقدر لأن الصبر على القضاء والقدر صبر اضطراري لا بد منه، ولهذا كان صبر يوسف عليه السلام عن امرأة العزيز، ورفضه الاستجابة لإغرائها لما غلقت الأبواب وتزينت وتجملت وتعطرت وانفردت به، وقالت: هيت لك، تعالَ، هلم.
أعظم وأكمل من صبره على كيد إخوته وما صنعوا به من الأذى.
والمؤمن مطالب بأنواع الصبر الثلاثة كلها، خاصة وأنها قد تتداخل فتصبح لحمة واحدة، وذلك حين يلحق أعداء الإسلام الضرر بالمؤمن أو ببعض أفراده، بالقتل، أو التشريد، أو السجن والاعتقال، أو الإخافة، أو سلب المال، أو قتل الأولاد والأزواج وغير ذلك، فيحتاج المؤمن إلى صبر على قضاء الله، وعلى طاعته، وعن معصيته.
فهاهنا يكون الأمر القدري الواقع الذي لا حيلة للإنسان في دفعه ناتج عن الصبر على الطاعة والثبات عليها، والصبر عن المعصية والعزوف عنها، فهو صبر على القدر، وهو -أيضاً- صبر على الطاعة والإيمان والاتِّباع، إذ لو تخلَّى المؤمن عن دينه، ووافق هؤلاء الكفار ومن في حكمهم فيما هم عليه لسالموه وتركوه، بل ربما والوه وصاحبوه، ودافعوا عنه بما يملكون وما يستطيعون.
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج