الصبر على أعداء المؤمنين بجميع أصنافهم

وإذا كانت ضرورة للمسلم العادي فما بالك بالداعين إلى الله تعالى، أو المجاهدين الصابرين في سبيله، إنهم أحوج إلى الصبر، وكيف لا يحتاجون إلى الصبر وهم يواجهون ألواناً من الأعداء الظاهرين والمستترين.

فمن أعدائهم المحادون لله ورسله، النابذون شريعة الله تعالى وراءهم ظهرياً، من أهل التمكين والنفوذ الذين يحاربون السنة وأهلها، لعلمهم أن التمسك بالإسلام يهب المسلمين الاستعلاء والعزة والتحرر من العبودية للمخلوقين، أو الخوف منهم، وهذا يحملهم على رد الباطل على أهله، حتى ولو كان أهله هم السادة والقادة، وأن التمسك بالإيمان يجعلهم أمة واعية داعية متميزة، عارفة بحقوقها التي يجب أن توصل إليها، عارفة بواجباتها التي يجب أن تؤديها، فهي لا تجهل حقها فتقصر عن المطالبة به، ولا تجهل واجبها فيلبس عليها بجعل ما ليس بواجب واجباً.

لعلمهم أن التمسك بالإسلام يجعل المسلمين أمة عقيدة لا يقر لها قرار؛ إلا بتطبيق شريعة الله تعالى في أرضه، فالمسلمون ليس همهم -مثلاً- الرفاهية المادية فحسب، ولا همهم فقط التيسيرات الدنيوية فحسب، وإنما همهم الأول والأخير أن تطبق شريعة الله تعالى في عباده.

ولعلمهم أن التمسك بالإسلام الصحيح يحملهم على القيام بالقوامة على المجتمع ومراقبة سيره، ومعالجة انحرافه، ومقاومة القوى الخفية العلمانية التي تسعى إلى إضلال الناس وتخريب عقولهم وأديانهم، وإغراقهم في الشهوات، وهذه شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهر بكلمة الحق، والقيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، وهؤلاء المتسلطون على المسلمين يعملون على إغراء العلماء والدعاة بالمال والمنصب والجاه، وسائر الحظوظ الدنيوية لصرفهم عمَّا هم عليه، وواجب العالم والداعية حينئذٍ الصبر ومقاومة الإغراء، كما يتعرض العالم إذا استعلى على المادة والإغراء يتعرض للتهديد والتخويف والتضييق، وربما أخرج من بلده، أو أوذي أو قتل أو أوذي في نفسه أو أهله أو ماله، ولا بد من احتمال ذلك كله في الضراء والسراء.

ومن ألد أعداء المؤمنين حملة المذاهب الأرضية، من الشيوعيين والاشتراكيين والقوميين والبعثيين والعلمانيين الذين يستخدمون كل سبيل لنشر مذهبهم، كالإذاعة والتلفاز والجريدة والمقالة والقصة والكتاب والديوان والشعر وكل سبيل، وقد أصبحت اليوم وسائل كثيرة مما يتمكنون بها أن يخاطبوا المسلمين، وغالب هؤلاء قد تشبعوا بالمبادئ الغربية أو الشرقية، وتربوا عليها خلال فترة دراستهم أو طلبهم؛ ومُنُّوا بالأماني الباطلة أن الدولة ستكون لهم، وأنهم سيتمكنون من قلب الأوضاع السياسية في العالم الإسلامي، والأوضاع الفكرية والاجتماعية وصياغتها وفق ما يريدون، وهم يعلمون أن الخطر الحقيقي على مخططاتهم من دعاة الإسلام وعلمائه الصادقين، الذين يستفرغون جهادهم وجهدهم وطاقتهم في تجديد أمر الدين والدعوة إليه.

فيسعى هؤلاء العلمانيون وغيرهم جاهدين إلى الحيلولة بين العلماء وبين الأمة، بتشويه سمعتهم، وإلصاق التهم بهم، فهم حيناً يصفونهم بالجمود والتخلف والرجعية، وحيناً يصفونهم بأنهم متطرفون إرهابيون، أصوليون، وحيناً يصفونهم بأنهم يسعون إلى قلب الأوضاع، والسيطرة على مقاليد الأمور والوصول إلى مقاليد الحكم، وأنهم لا يريدون ديناً ولا إصلاحاً ولا أمناً ولا إيماناً وإنما همهم الدنيا ووظائفها ورئاساتها.

وحيناً يتهمونهم بأنهم خطر على الأمن، وأنهم سوف يمزقون المجتمع إلى شيع وأحزاب وطوائف.

ويستغلون في ذلك سائر الوسائل التي يسيطرون عليها، من أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والصحافة والكتابة وترويج الإشاعات وغير ذلك مما قد أصبح معروفا ًمكشوفاً، ولعل هؤلاء الذين يحاربون الدعوة داخلون فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة الشهير: {دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قال حذيفه: صفهم لنا يا رسول الله؟ قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا} قال ابن حجر قال القابسي: "معناه أنهم في الظاهر على ملتنا؛ وفي الباطن مخالفون لنا".

ومن أعداءالمسلم أصحاب الفرق والأهواء من الفرق الضالة المخالفة للسنة، كالصوفية والباطنية بشتى فرقها وشيعها، والمعتزلة وغيرهم، فهؤلاء منهم، وهم على الباطل بلا خفاء وهم يلبسون الحق بالباطل، فيغتر الناس أحياناً بما معهم من الحق، ويقبلون كل ما عندهم من حق أو باطل بلا تمييز.

وكثيراً ما تقف هذه الطوائف الثلاث: الحكام المتسلطون، ودعاة المذاهب الأرضية من العلمانيين وغيرهم، وشيوخ البدعة والضلالة وأتباعهم، يقفون في خندق واحد ضد السنة وأهلها، ويتعاونون في تضييق الخناق على أهل الحق والاتباع حتى يصل الحال إلى ما قيل: وأي اغتراب فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداء فينا تحكمُ وهناك الأعداء الخارجيون من اليهود والنصارى والمشركين، الذين هم أشد عداوة وكيداً ومكراً وخبثاً، وبيدهم اليوم مقاليد الإعلام والاقتصاد في العالم، وبواسطتها يؤثرون تأثيراً بالغاً في سياسات الدول الشرقية والغربية، ولهم جمعيات سرية، ومنظمات خفية يتحركون باسمها حتى في بعض البلاد التي تتظاهر بحرب اليهود والنصارى، تجد أن لهم الماسونية، ويهود يوه، ونوادي الروتاري، وبعض الجمعيات النسائية، والجمعيات الفنية، والجمعيات الرياضية، والنقابات وغيرها، ومثلهم النصارى أيضاً وهم حلفاء اليهود الذين يهيمنون على بلاد الغرب كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بل وروسيا، يحاربون المسلمين علانية في كثير من البلاد، فيحملون السلاح في البوسنة والهرسك، وفي الصومال، وفي طاجكستان، وفي كثير من البلاد.

حتى إني قرأت خبراً قديماً أوصله إلي أحد الإخوة يذكر أن بعض الوسطاء الدوليين في قضية البوسنة والهرسك يجلس جلسات خاصة مع رادوفان كراديتش زعيم الصرب، ويتباسطون ويتبادلون الحديث، وأنه صار بينهم رهان على أن المسلمين يقبلون بتلك المؤامرة، وأن الأرض الذي أعطيت للصرب تشكل (28%) أو (30%) ، فقال: إن الفائز بالرهان له قارورة ويسكي! وقد قال وسيط من الوسطاء الدوليين إنه قد خسر الرهان واضطر إلى أن يدفع قيمة هذه القارورة! ونسي هذا المجرم الكبير أن المسلمين خسروا مئات الآلاف من الأرواح، وخسروا عشرات الآلاف من المسلمات المغتصبات، وخسروا آلافاً من الأطفال الأبرياء الذين قتلوا، وخسروا مسافات شاسعة من الأراضي، أما هو فكل خسارته أنه خسر زجاجة (وسكي) في مقامرة فعلها أو مراهنة مع صديقه الصربي الكافر! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] إن اليهود والنصارى الذين يملون سياسة غريبة علىالمسلمين، فيطالبونهم بموالاة أعداء الإسلام وبالمصالحة معهم، وبتطبيع العلاقة مع هؤلاء وأولئك، وبفرض لون من التغريب والتخريب على عقول المسلمين، وفرض التعاسة الأخلاقية على المجتمعات الإسلامية، وتضييق الخناق على الدعاة إلى الله تعالى، وتقليص مكانة العلماء المصلحين الصادقين، إن هؤلاء اليهود والنصارى حينما يملون مثل هذه السياسات إنما يريدون أن يضربواالمسلمين بعضهم ببعض.

وليس غريباً ما نرى من تصارع هو البغي لكن بالأسامي تجددا وأصبح أحزاباً تناحرُ بينها وتبدو بوجه الدين صفاً موحدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015