Q أحياناً أرى منكراً وأريد أن أنكره، ولكن يوسوس لي الشيطان بألا أنكره؛ لأني أفعل هذا المنكر، والسؤال: هل أنكر المنكر مع أني أفعله؟ أم لا أنكر إلا بعد التخلص من هذا المنكر؟
صلى الله عليه وسلم الواقع في المنكر يجب عليه أمران: الأمر الأول أن يترك المنكر، والأمر الثاني: أن ينهى عن المنكر، وهذا هو الواجب، وقد عير الله عز وجل بني إسرائيل حين أمروا بالمعروف ونسوا أنفسهم فقال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] وبين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة في البخاري ومسلم قصة الرجل الذي يلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: مالك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه.
لكن يجب أن يُعلم أن الإنسان -وإن قصر فوقع في المنكر- يجب أن ينهى عنه ولو كان واقعاً فيه، ولو قصر فترك المعروف الواجب يجب أن يأمر به ولو لم يفعله، وهذا القول الصحيح لجماهير السلف والخلف، وشواهده كثيرة جداً أكتفي منها بدليل واحد، وهو قول الله عز وجل: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:79] .
فأسند التناهي إلى الفاعلين، فدل على أنه كان يجب عليهم وهم يفعلونه أن يتناهوا عنه، ولذلك ذكر المفسرون عند هذه الآية قول بعض الأصوليين: واجب على من يتعاطون الكئوس أن ينهى بعضهم بعضاً، أي أن القوم المجتمعون على شرب الخمر يجب أن ينهى بعضهم بعضاً عن هذا الفعل.
وقال الإمام مالك: لو لم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن المنكر إلا إذا سلم، لم يؤمر بمعروف ولم ينه عن منكر، من ذا الذي ليس فيه شيء؟! فهذه الواجبات منفصلة، كل مسلم عليه أربع واجبات: فعل المعروف، والأمر به، وترك المنكر، والنهي عنه، وإخلاله بواجب لا يعني أن الشرع يعذره في الإخلال بالواجب الثاني، افترض أن أباً في بيته يفعل المنكر؛ أنقول له: دع أولادك يفعلون المنكر؟! افترض أن أميراً أو مسئولاً في إدارة هو فاعل للمنكر، نقول له: اترك من تحت يدك يفعلون المنكر؛ لأنك واقع فيه؟! كلا! افترض أن شخصاً يفعل المنكر وهو يعلم، وآخر يفعله جاهلاً، نقول: دعه لأنك واقع فيه؟! كلا! نقول: علمه.