والغريب أن الإمام الخطابي رحمه الله عقد باباً سماه (باب فساد الزمان وأهله) ، ثم ساق فيه نصوصاً في غاية العجب! أذكر نموذجاً منها قال: عن حذيفة رضي الله عنه، أنه قال: [[ما أبالي بعد سبعين سنة لو دهدهت حجراً فوق مسجدكم فقتلت منكم عشرة]] سبحان الله! حاش لصحابي من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول مثل هذا الكلام، وأن يتعمد أن يسقط حجراً على من؟! هل على أهل الغناء واللهو والطرب؟! كلا.
هل على أهل السوق الذين يبيعون ويشترون؟! كلا، بل على أهل المسجد فيقتل منهم عشرة بغير ذنبٍ، وهو الذي سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث} والحديث الآخر: {حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا عني دماءهم وأموالهم إلا بحقها} وهذا الأثر عن حذيفة لا شك أنه أثرٌ مكذوبٌ، يقطع العاقل بكذبه، ومع ذلك فإن في إسناده رجلٌ مجهول.
ومثله -أيضاً- أنه نقل عن جعفر بن محمد -وهو جعفر الصادق - أنه قال: [[إذا كانت السنة ثلاثين ومائة، فخير أولادكم البنات، وخير نسائكم العقر]] .
فأما البنات فيا حبذا ميلاد البنات! فلسنا من أهل الجاهلية الذين إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، بل نحن نفرح بميلاد البنات؛ لأن فيهن من العون والتوفيق والتسديد في الدار الآخرة لمن رباهن وقام عليهن الكثير، وهن ممن يتقرب الإنسان إلى الله تعالى بحفظهن ورعايتهن والقيام عليهن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم} وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح ببنته فاطمة، ويقوم لها إذا أقبلت، ويقبلها بين عينيها ويجلسها في مكانه، وكانت من أشبه الناس به صلى الله عليه وسلم في حركاتها ومشيتها وكلامها وسلوكها وهديها وغير ذلك فيا حبذا أمر البنات!! ويا حبذا ميلاد البنات، والتشاؤم من البنات من شأن الجاهلية؛ لكن -أيضاً- المؤمن يفرح بالذكور، لأنهم المرابطون على الثغور، ولأنهم المجاهدون في سبيل الله، ولأنهم المنكَبُّون على حلق العلم؛ ولأن فيهم من الخير الشيء الكثير، وأيضاً المؤمن يفرح -عموماً- بالذرية، ويدعو الله عز وجل: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:74] .
ولو لم يكن له ذرية لم يكن لهذا الدعاء معنى، وقد حبب وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة المرأة الولود الودود، وكان أفضل هذه الأمة أكثرها نساء، وكان عليه الصلاة والسلام يفرح بالأولاد، ويؤتى بهم إليه فيضعهم في حجره ويقبلهم، وربما مضغ شيئاً من التمر، فوضعه في أفواههم وحنكهم به ودعا لهم وبارك عليهم، وسماهم إلى غير ذلك من المظاهر التي تدل على فرح الرسول صلى الله عليه وسلم بولادة أو ميلاد أحد من المسلمين ذكراً أو أنثى؛ وأن ذلك تكثير للأمة، وإرغام للكافرين، وهذا حكم باقٍ إلى قيام الساعة.
ومثله -أيضاً-: أن الإمام الخطابي، نقل عن ابن أبي ليلى، أنه قال: سيأتي على الناس زمان يقال له (زمن الذئاب) ، فمن لم يكن في هذا الزمان ذئباً أو كلباً؛ أكلوه.
وهذا الكلام هو من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولم يأتِ فيه نص من كتاب الله، ولا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الظن والتوقع الذي لا دليل عليه.
ومثل ذلك: أنه رحمه الله نقل عن علي بن خالد الضبي، أنه كان يقول لزوجته أو غيرها: أقلي علي اللوم يا أم مالكٍ وذمي زماناً ساد فيه الفلافس وساع مع السلطان ليس بناصحٍ ومحترس من مثله وهو حارس ويقصد بالفلافس هذا: رجلاً كان مديراً للشرطة في وقته، وكان رجلاً سكيراً عربيداً مشهوراً بالفساد، فيقول: كيف آل الأمر إلى أن يكون هذا الرجل سيداً يمشي مع الأمير ومع السلطان، ويظهر النصيحة، وفي الواقع أنه ليس بناصح.
فذكر الإمام الخطابي مثل هذه النصوص وغيرها كثير، مما يدل على فساد الزمان.