الاستغفار مع وجود المعصية

وهنا

Q لو استغفر من قلب صادق وهو مقيم على المعصية، هل ينفعه ذلك؟ الاستغفار باللسان إذا كان من قلب صادق، يرجى أن ينفع صاحبه ولو كان مقيماً على المعصية، لأن الاستغفار من الأعمال الصالحة ولا شك، والله تعالى يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] لكن لا يلزم أن يكون الاستغفار ماحياً للذنب بالكلية في هذه الحالة، مثل التوبة إذا تحققت شروطها، ولكن الاستغفار يخفف بإذن الله تعالى من حرارة الذنوب وشدتها، ويقاوم بعض ما يصدر منها، ولهذا على العبد أن يستغفر، ولا يترك الاستغفار لأنه مقيم على المعصية أو الذنب، فلابد إذاً من الاستغفار، ومع الاستغفار فإن الفرار إلى الله تعالى يكون أيضاً بأمر آخر، وهو الإقلاع عن الذنب، خاصة فيما يتعلق بالمصائب العامة.

مثلاً أمر الله تعالى بترك الربا، فإذا ابتليت الأمة بالمصائب بسبب وقوعها في الربا، لا يقال لها: العلاج هو أن تستغفروا الله تعالى، فيقوم الناس في المساجد يصرخون ويبكون، فإذا خرجوا من المسجد ذهب كل واحد منهم إلى بنك ربوي يتعامل فيه بمعاملة تسخط الله تعالى! هذا لا يكون على مستوى الأمة، فإن استغفار الأمة في مجموعها هو بترك المعصية، وفرق بين الذنوب الفردية، والذنوب العامة التي تصبح ظاهرات ملموسة في المجتمع.

مثلٌ آخر: أصيبت الأمة بهزائم عسكرية -مثلاً- وفرت من ميدان المعركة بسبب أنها ما أعدت جنودها الإعداد الصحيح، لم تبن الرجال العقائديين الذين يخوضون المعارك، ولم تصنع السلاح الذي يواجهون به خصومهم، ولم تستعد الاستعداد الكافي لمواجهة عدوها، ففرت من ميدان المعركة، فهل يكفي في ذلك أن تلجأ إلى المساجد وتقرأ القرآن؟ هذا لا يكفي، بل لابد أن يكون استغفارها حينئذٍ بفعل الأسباب، والطاعة لله تعالى، بإعداد العدة، سواء كانت عدة بتربية الرجال وإعدادهم، أو بإعداد السلاح، أو باتخاذ كافة الأسباب الداخلة تحت عموم قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] .

إذاً قوله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:50] يومئ إلى القاعدة القرآنية العظيمة، وهي: أن ما أصاب الناس في دينهم أو دنياهم، فإنما هو بسبب أنفسهم، وأن المخرج من ذلك كله، هو بالفرار إلى الله تعالى، باستغفاره باللسان والقلب أولاً، وبتغيير الحال إلى ما يرضي الله جل وعلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015