هؤلاء المؤمنون الصادقون من الشباب هم الذين تعقد عليهم الآمال بعد الله عز وجل، ولذلك نقول لهؤلاء الإخوة الأحبة: إننا ننتظر منكم الشيء الذي لا ننتظره من الآخرين، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، لا بد أن تتحلوا بالأخلاق العالية مع من تريدون دعوتهم من هؤلاء الشباب، الابتسامة الحلوة صدقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وتبسمك في وجه أخيك صدقة} يقول جرير بن عبد الله: {ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم، ولا حجب لي منذ أسلمت} يقول لي بعض الشباب: والله إني ألتقي ببعض الناس، فإذا تبسم في وجهي فكأنه فتح قلبي ووضع هذه الابتسامة، فيه فلا أنساها أبداً، مع أنك ما خسرت شيئاً، لا درهماً، ولا ديناراً، ولا وقتاً، ولا شيئاً، فاجعل الابتسامة شعارك، واعلم -يا أخي الحبيب- أن الابتسامة جعل الله فيها من الأسرار الشيء العظيم، حتى أنها تغسل القلب غسلاً، وكم من إنسان يكون في نفسه شيء عليك، أو يكرهك، أو لا يحبك، أو قد يسوء ظنه بك، لكنه إذا التقى بك فتبسمت -خاصة إذا كنت من أصحاب القلوب التي نقاها الله سبحانه وتعالى من الحقد فلا تعرف الحقد- فإنه يزول كل ما في نفسه، قبل أن تتكلم بكلمة.
فاجعل الابتسامة شعارك، واجعلها ابتسامة صادقة، وليست ابتسامة متصنعة، كذلك رد السلام بحرارة، إذا سلم عليك إنسان وصافحك، فلا تمد طرف الإصبع أو طرف اليد، أو تسلم عليه وأنت معرض عنه، هذا لا يصلح، لأن السلام إنما شرع لتقوية الروابط، وأنت إذا سلمت على إنسان بطرف يدك، أو سلمت عليه وأنت صاد عنه، فإنه يحمل في نفسه عليك الشيء الكثير بل إذا سلم عليك إنسان فاتجه إليه بوجهك، وانظر إليه بعينك وصافحه بحرارة، واضغط على يده بما لا يضره -انتبه لهذه- المهم أنه يشعر أنك تسلم عليه سلام محب، سلام أخ مسلم، ثم تتكلم معه بالكلام الطيب.
كيف أصبحت كيف أمسيت مما يغرس الود في فؤاد الكريمِ فلا بد من هذه الأشياء كلها، وبعض الشباب المنحرفين ينتقدون بعض الصالحين بانتقاد يعبرون عنه بالكبر وعدم البشاشة وعدم التواضع، وهذا في الواقع ليس كبراً، ولكنهم يعتبرون عدم إقبالك عليهم نوعاً من الإعراض والكبر عليهم، وبعضهم قد ينتقد: الغلظة والقسوة والأسلوب الجاف في النصيحة من قبل بعض الصالحين، ومنهم من يعبر عنه بالاستخفاف بنا، والازدراء، هكذا يفهمون أو يتصورون، لأن الشاب المنحرف عنده شعور بالنقص أحياناً، فإذا نظرت إليه أنت شزراً، أو أعرضت عنه، أو قمت تجاهه بموقف معين، فَسَّره دائماً على أن هذا نوع من التكبر، وعدم الاهتمام به، أما الذين يحبون الشباب المتدينين من المنحرفين، وهم كثير، فإنهم يحبونهم لحسن خلقهم، كالتواضع والبساطة والكرم.
ومن المهم جداً بذل المعروف في أشياء كثيرة، مثل: تصوير الملخصات، فهناك زملاء في مدرسة عندهم ملخصات، مذكرات دراسية، صَوِّر وأهدِ له ملخصاً، فضلاً عن إهداء شيء مفيد كشريط، أو كتاب، أو أمر آخر.
كذلك تلخيص بعض المعاملات له، قد تكون موظفاً وله معاملة عندك، تستطيع أن تخلصها بما لا تضر بها الآخرين، ولا تخالف في أنظمة مطلوب مراعاتها، فهذا أيضاً يعتبر خدمة جليلة له.
أيضاً تدعوه إلى بعض المناسبات الخاصة بك، ليأكل عندك، ولهذا يقول بعض الذين كتبوا عن الأخوة: إن مما يقوي الأخوة ثلاثة: دخول المنزل، والأكل عندك، والنوم، فإذا دخل منزلك، وأكل ونام في منزلك، فقد اكتملت بعض خصال الأخوة كما يقول الغزالي وغيره.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان ثمامة بن أثال رضي الله عنه كان مشركاً عدواًًً لله ورسوله، أمسك به المسلمون وربطوه كما في الصحيحين في سارية المسجد، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم -مستحق للقتل أو له من يأخذ بثأره- وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل تعطَ منه ما شئت، فتركه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثاني والثالث مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أطلقوا ثمامة، فلما أطلقوه خرج إلى ماء قريب، فاغتسل منه عند النخل، ثم رجع وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، والله يا محمد ما كان على ظهر الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، وقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله يا محمد ما كان على ظهر الأرض دين أبغض إليَّ من دينك، وقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله يا محمد! ما كان على الأرض بلد أبغض إلي من بلدك فقد أصبح بلدك وإنه لأحب البلاد كلها إلي} انظر كيف يصنع الجميل بالإنسان! وهذا سيدٌ وزعيمٌ، مجرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقال عثرته، وفك أسره، أسلم وأصبح لا يحب الإسلام فقط، بل يحب الإسلام، وأرض الإسلام، وبلاد الإسلام، لا يحب شيئاً أكثر مما يحب تلك البلاد، يقدمها على كل بلاد، أصبحت أحب كل البلاد إليه، ووجه النبي صلى الله عليه وسلم أحب الوجوه كلها إليه، والإسلام أحب الأديان كلها إليه.
إذاً: أوسع باب أو مدخل إلى دعوة الناس أن تدخل إلى قلوبهم وتكسب ودهم من خلال الكلمة الطيبة والبسمة والإحسان إليهم وبذل المعروف، ثم بعد ذلك تربطهم بالمجالات الخيرية، وليس من الضروري أن تفاتح هؤلاء الإخوة، لأول وهلة بأنهم منحرفون، أول ما تبدأ معه ضربة في الوجه بأنك فيك، وفيك، وفيك! فما دامت عندك فرصة، وعندك وقت، ابدأ معه، ثم انتقل خطوة بعد خطوة حتى تأتي البيوت من أبوابها، فإن الإنسان إذا قفز أحياناً فقد يسقط أحياناً وتتكسر أقدامه، كذلك ليس من الضروري أن تبدأ بتحطيم بعض الرموز التي يحبها، قد يكون هذا الشاب مشغوفاً بالرياضة، فلو بدأت أول جلسة معه قلت: اللاعب الفلاني فيه كذا، والنادي الفلاني فيه كذا، والكرة فيها كذا، وأكثرت عليه في هذا الأمر، فمعناه كأنك وضعت حاجزاً من البداية، لكن لا مانع أن تصبر معه، فابدأ معه بكلمة طيبة، وجره إلى المسجد بالكلمة وبالحسنى، وادعه إلى الله عز وجل، ثم بعد ذلك تبدأ معه بمعالجة الانحراف الذي عنده أولاً بأول، كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم معاذاً -في حديث ابن عباس - حين بعثه إلى اليمن: {فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك إلى ذلك فأخبرهم بالصلاة} ولذلك أوصي بتنظيم زيارات إلى مواقعهم.