النقطة الثالثة: دور الأسرة في إصلاح الشباب، الأب، الأم، الأخ، الأخت، الأقارب، أيها الأب! إنك أنت المسئول الأول عن صلاح الأولاد أو فسادهم، وأنت أكثر المستفيدين من صلاحهم، وأكثر المتضررين من فسادهم، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يلفت نظرك إلى أهمية صلاح ولدك، حتى يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له} ، وقد علمنا الله عز وجل أن ندعو: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] .
فالمؤمن يدعو، بأن يجعل الله من ذريته وأولاده قرة عين له، ذلك أن الولد قطعة من أبيه، ولذلك فإن الابن إذا مات، فإن موته يكون في قلب الأب جرحاً نازفاً لا يهدأ أبداً، وكم من الآباء يمضي على وفاة ولده عشرات السنين، كل ما ذكره هلت دموعه! لأنه قطعة منه، ولدك جزء منك، هذا إذا مات، فما بالك إذا كان الولد حياً ومع ذلك الأب يتقطع حسرات في الصباح والمساء على انحراف ولده، وفساده، وضلاله، ومخالفته له! عن قرة بن إياس رضي الله عنه {أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له: فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم مازحاً ومداعباً: أتحب هذا؟ قال: أجل يا رسول الله! أحبك الله كما أحببته -أحبه حباً شديداً لا يوصف- ففقده النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجده بعد حين وليس معه ولده، فسأل، فقيل له: مات يا رسول الله! فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الرجل، وقال له: ألا يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة يوم القيامة إلا وجدته سبقك يفتح لك، فسري عن الرجل} والحديث رواه النسائي وسنده صحيح، على شرط الصحيح.
فالولد قطعة من أبيه، جزء من قلبه وروحه وحياته وبدنه، ولذلك الذين يقرؤون الشعر لا يجدون أصدق ولا أبلغ من شعر الآباء الذين يرثون أولادهم، وهو كثير، أذكر منهم قصيدة ابن الرومي لما مات ولده محمد، قال قصيدة طويلة مشهورة يقول: بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي فجودا فقد أودى نظيركما عندي محمد ما شيء توهم سلوةً لقلبي إلا زاد قلبي من الوجدِ أرى أخويك الباقيين كليهما يكونان للأحزان أورى من الزندِ وأولادنا مثل الجوارح أيها فقدناه كان الفاجع البين الفقدِ لكل مكان لا يسد اختلاله مكان أخيه من صبور ولا جلدِ يقول: الأولاد مثل الجوارح، اليد لا تكفي عن الرجل، واليمنى لا تكفي عن اليسرى، والعين لا تكفي عن الأذن، وكذلك الأولاد، لو كان الرجل عنده مائة ولد، وفقد واحداً منهم، لحزن لذلك أشد الحزن! حتى أن من الطرائف: يذكر أن امرأة أتت بسبعة أولاد توائم، فأخبر بذلك السلطان في بلدها، فطلب أن يؤخذ واحد منهم لينظر ما موقفها، فلما جاءت عدت الأولاد فوجدتهم ستة صرخت، وبكت، وصاحت! فضحك وأمر بإعادته إليها: وأولادنا مثل الجوارح أيها فقدناه كان الفاجع البين الفقد لكلٍ مكانٌ لا يسد اختلاله مكان أخيه من صبور ولا جلد أي مقارنة أيها الإخوة! وبصفة خاصة -أيها الأب- أي مقارنة بين رجلين، أب يفخر بابنه إذا ذكر في المجلس لأن ابنه خطيب جامع، يأتي إليه الناس ليسمعوا كلامه، ويسمعوا الحكمة من لسانه، أو مدرس في حلقة يتحلق حوله الطلاب، أو داعية إلى الله عز وجل، أو شيخ يتلقى عنه العلم، أو محسن كبير، أو عالم شهير، أي مقارنة بين هذا وبين إنسان آخر، إذا ذكر توارى أبوه خجلاً وحياءً، يتوارى من القوم من سوء صنيع ولده، لأنه إما قعيد السجن، وإما ضمن عصابة مفسدة، وإما صاحب تاريخ أسود، وإما وإما، فإن الفرق بين هؤلاء كالفرق بين الليل والنهار، وكالفرق بين الثرى والثريا، ولذلك فإني أوصيك -أيها الأب الحنون- بوصايا، فاحفظها عني: