Q إنها حيرة واختلاف في الفهم، إنه يوجد بين شباب الصحوة من يتنازل عن بعض الواجبات الإسلامية فيقع أحياناً في بعض المحظورات الشرعية كتخفيفٍ اللحية أو حلقها، والرضا بالعمل والاختلاط بالنساء في بعض الشركات والمؤسسات وغير ذلك، وعندما ينبه إلى ذلك يقول: أنه لا بد من المكر والكيد مع من يكيد للإسلام ما دام الأمر أنه ليس في أيدينا حتى نصل إلى المناصب والثغرات القيادية فنؤثر ونغير الواقع، فهل هذا الفعل يجوز؟ وما معنى القاعدة التي تقول: الغاية لا تبرر الوسيلة مع التدليل على هذه القاعدة؟
صلى الله عليه وسلم لا شك أن الغاية والوسيلة، فكما أن الغاية شريفة لابد أن تكون الوسيلة إلى هذه الغاية شريفة، وكون هناك طبقة من الشباب اليوم تجد الواحد منهم يحلق لحيته أو يخففها مثلاً ويطيل ثوبه ويتظاهر بأنه غير متمسك بالإسلام من أجل أن يصل إلى بعض الناس، فهذا نوع من التنازل غير حميد، وإذا كنت تريد أن تدعو هؤلاء الناس، فمن غير المعقول أنك ستدعوهم يوماً من الأيام إلى هذه الواجبات الشرعية وأنت مقصرٌ فيها.
إضافة إلى أننا وجدنا من يتحججون بهذه الحجة، وجدنا أنهم في الواقع ما استطاعوا أن يصلوا إلى شيء، في الوقت الذي كان الذي يتمسك بالإسلام كله جملة وتفصيلاً ولا يتنازل عن شيء منه في قضاياه وأموره الشخصية وغيرها؛ وجدنا أنهم هم الذين استطاعوا فعلاً أن يوصلوا الإسلام إلى الناس في أفعالهم وأقوالهم وشخصياتهم، فالإنسان الجاد في أمر تجده جاداً في كل أمر، جاد في تطبيق الإسلام في نفسه وفي بيته وفي مجتمعه، والإنسان الذي يكون متسامحاً ويبحث عن الرخص والمعاذير، وعن المسوغات التي يتحجج بها لترك أمر الله ورسوله تجد أنه لم يقم بشيء يذكر؛ لا في نفسه ولا في بيته ولا في مجتمعه، فحين تأتي إلى بيت هذا الإنسان تجد فيه منكرات كثيرة لم يغيرها من سنين، تجد في مدرسته أو في مجتمعه ما أحدث أي تغيير، فالقضية أحياناً مجرد مسوغ يلقي به هذا الشاب حتى يتخلص من العتاب الذي يمكن أن يوجه إليه، وهناك فرق لا شك بين هذا وبين التدرج في إنكار المنكر بضمان زوال منكرٍ قائمٍ موجود.
ويحرص على أن يكون في خلوته مع الله عز وجل في اتقاء المنكرات والصدق والإخلاص بالمنزلة، الرفيعة والداعية عليه أن يدرك أن هذه ضمانة لاستمراره، لأن الإنسان الذي تظاهر بشيء وهو على خلافه لا يمكن أن يستمر، لكن ينبغي أن نفرق أيضاً بين هذا وبين كون الداعية أحياناً يدعو إلى أمر من الأمور ويعمل على إصلاحه، وربما يكون في داخله تقصير لا يعلمه الناس، هذا التقصير لا يجوز أن يمنعه من الجهاد في الواقع، بمعنى أن الإنسان الواقع في المنكر يجب عليه أن ينكر حتى هذا المنكر الذي هو واقع فيه، والإنسان التارك للمعروف يجب أن يأمر حتى بهذا المعروف الذي تركه، وإلا غير معقول أنه نكون كما يقال: (حشفاً وسوء كيلة) ما دام أنت واقع في منكر لا تنهى عنه، ومادام أنت تارك للمعروف لا تأمر به، هذا غير معقول، بل يجب حتى على من يقع في المنكر أن ينهى عنه، ولذلك قال بعض الأصوليين: واجب على من يتعاطى الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضاً.
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنبٌ فمن يعظ العاصين بعد محمدِ لكن الأكمل والأمر الذي يجعل الناس يتقبلون منك هو أن تكون أنت أول الممتثلين، ولذلك كان منهج الأنبياء وهديهم كما قال شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88] .
الحديث في هذه المسألة يطول كما سبق وأن أشرت إليه في أكثر من مناسبة.