والمطلوب من الدعاة: أن يتحسسوا أمراض الأمة، ويعالجوها بتأني وحكمة؛ ولكن البعض من الدعاة، أو من بعض أصحاب المناهج المختلفة قد يُشِّمر عن ساعد الجد والاجتهاد، فيتتبع أخطاء وتقصير إخوانه، ثم ينتقدهم علانية، ويقصد أن يتنقص من شأنهم، ويصرف الأنظار عنهم، وهذا العمل لو تعلم عنه الدول الكافرة؛ لشجعت من يقوم به خير تشجيع؛ ولأعطتهم الهدايا السخية، مكافأة لهم على ما يفعلون؛ لأنهم اشتغلوا ببعضهم البعض دون المعادين، والمعاندين، والمخالفين.
وليس معنى كلامي هذا أنني أمنع النقد البناء، والنصيحة الطيبة، بأن يسديها هذا الناصح وهذا الداعي إلى أخيه بتفهم وحب للخير، وبأسلوب لطيف، وأن يثني عليه -على صاحب هذا التقصير- بعمله، ويقول: كذا: من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط ثم يهدي له الأخطاء، فالرجل العاقل سيدعو لمن ينبهه ويقول: رحم الله من أهدى إلينا خطايانا أما أن يأخذ الإنسان على رءوس الأشهاد وينتقده؛ فهذا لا ينبغي.
الناس ليسوا معصومين العصمة للأنبياء، وحتى أتباع الأنبياء ليسوا بمعصومين، كما قال الإمام مالك رحمة الله عليه: كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويقصد به النبي صلى الله عليه وسلم.
فالهدوء في الدعوة أمر طيب، وإن حصل اختلاف؛ لا نأخذ في الصياح والتنابز بالألقاب؛ لأن الشيطان يدخل في هذه الحالة، فإذا اختلفنا في شيء نرده إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم نستطع أن نستخرج الحكم من الكتاب والسنة، نرجع إلى أهل الذكر وأهل العلم المعتبرين، ونحن -والحمد الله- بلادنا تعج بهم وهم على كثرة ووفرة، ويتمتعون بالصبر، والحلم، والأناة، والأخلاق الكريمة، وعلى رأس هؤلاء: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وأمد في عمره، ورزقه الأعوان الناصحين، والمستشارين المخلصين، فنرجع إلى العلماء ونستفتيهم، ثم ننتهي إلى الفتوى.
أما أن يأخذ بعضنا يسب البعض الآخر، والآخر يقول: كذا، والآخر يشنع على أخيه، ويتلمس الأخطاء -والأخطاء كثيرة- والجماعات الإسلامية مقصدها الخير، قد يتبنون أمراً ما، ليس فيه خلاف أو لا دليل عليه إنما اجتهدوا فيه، وقالوا مثلاً: أنه من المصالح المرسلة، أو شيء من هذا؛ فإنهم مجتهدون في هذا، ولكنهم لم يحظوا بالصواب في هذا الاجتهاد.
فتناقش المسألة بالهدوء، ويكون القصد الوصول إلى الحق؛ لا أن يكون القصد أن القضية انتصار، ويهمني أن أنتصر فقط مهما كلف الأمر! لا، أناقش وأنا هدفي الحق، وهدفي الوصول إلى الحق، فمتى ظهر لي الحق ألتزم به، والحق ضالة المؤمن.