Q ما رأيك فيمن يقول: أتمنى ألا يتحقق النصر في فلسطين الآن, لأنه لو تحقق الآن فستحكم حكماً طاغوتياً, بل ربما ضُيّق على الملتزمين بدينهم مضايقة تفوق مضايقة اليهود الآن على فرض تحقق النصر، وإلا فهو شبه مستحيل؟
صلى الله عليه وسلم في الواقع أنه لا داعي لفرض المستحيل؛ لكنني أقول: إننا يجب أن نعلم أن الله يؤتي النصر من يشاء، يقول الله عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] توقف عند هذه الآية وتأمل من هم الذين ينصرهم الله، قال الله عز وجل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:41] فالمعنى -والله تعالى أعلم- أن الله تعالى يعلم من حال هؤلاء الذين يجاهدون ويرفعون راية الإسلام؛ أنهم سوف يصبرون إذا انتصروا, فإذا مكنوا وحصل لهم النصر ثبتوا وصبروا فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر, فحينئذٍ ينصرهم بمعنى أنك قد تجد أناساً يقيمون الصلاة, ويؤتون الزكاة, ويأمرون بالمعروف, وينهون عن المنكر, ويجاهدون فلا ينصرون؛ لأن الله علم أنهم لو مكنوا ما صبروا على النصر, بل لتخلوا عنه.
فمن باب أولى أنك تجد أناساً يرفعون راية العلمانية مثلاً, ويرفعون راية القومية, والديمقراطية, ويرفعون راية وحدة الأديان, فهؤلاء لا ينصرهم الله عز وجل, لأنهم حتى قبل أن ينصروا ما نصروا الله تعالى؛ حتى وهم مهزومون مخذولون تقصفهم الأعداء من كل جانب, ومع ذلك فإنهم ما تابوا إلى الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون:76] ترى هتافاتهم وشعاراتهم تدور بين القومية والعلمانية والبعثية وغيرها من الشعارات الأرضية , فكيف ينصرون؟! هيهات أن ينصروا, لا ينصرون أبداً لأن نصرهم خلاف السنن الإلهية, خلاف الشرع الذي أخبرنا الله تبارك وتعالى به, لا ينصرون أبداً, لن ينتصر على اليهود إلا حملة راية لا إله إلا الله.
والغريب -أيها الإخوة- أن اليهود يعرفون ذلك, لعلكم سمعتم في الأخبار -أمس أو قبل أمس- أن اليهود قتلوا مواطناً حاول التسلل إلى إسرائيل, ما صفة هذا الإنسان الذي حاول التسلل؟! قالت الإذاعات والأخبار: إن هذا الرجل من الأصوليين المتشددين, وأنه كان يحمل معه بندقية, أو قالوا يحمل معه المهم الرجل متدين, صورة الرجل الملتحي ينزعج منها اليهودي في كل مكان, المسلم أصبح رعباً ينزل على رءوس اليهود والنصارى والكفار نزول الصواعق, والله لا يخافون من أصحاب الشعارات البراقة, ولا يخافون من الوعيد والتهديد عبر أجهزة الإعلام, إنما يخافون من هؤلاء المؤمنين الذين وضع الواحد منهم روحه على يده يتمنى أن يقتل شهيداً في سبيل الله عز وجل, هذا الذي يخيفهم ويزعجهم, وهم يصرحون ويتكلمون بذلك صراحة.
هذا، وأسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياكم إلى صالح القول والعمل, وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها، ويتوب علينا ويهدينا سواء السبيل, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا رب العالمين, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.