Q ما حكم الرقية؟
صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم أذن بالرقية، بل أمر بها وقال عليه الصلاة والسلام: {اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً} وهو في صحيح مسلم، وفي صحيح مسلم أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام قال: {من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل} فالقراءة على المريض المصروع بالجن أو بالعين, أو بالسحر مشروعة، ومن فعل ذلك فله عند الله أجر عظيم، وهذا من الرقية الشرعية التي يستغني بها الناس عن الذهاب إلى السحرة والكهنة والعرافين والمنجمين، الذين يأخذون أموال الناس بالباطل، ويضحكون عليهم، ويستعينون بالجن على التعرف في أحوال المريض، إذا جاء المريض لمن يدَّعي العلاج والطب قال له هذا المتطبب: أنت شأنك كذا, واسم زوجتك كذا, وعملك كذا، ويوم كذا كنت في كذا , فتحس بكذا لأن هذه المعلومات قدمها له قرينه من الجن، فإذا رأى المريض أن هذا المتطبب يعرف هذه الأسرار؛ وثق به وأسرع إليه, وصدق كل ما يقول، حتى لو ادَّعى عليه دعوى أنك مسحور من قبل شخص شأنه كذا , وصفته كذا , يأتي بعموميات قد تصدق على كل إنسان، أو أن بك عين أو جن, أو ما أشبه ذلك، فصدق هذا، وكان سبباً في الفراق بينه وبين زوجته, أو مفارقة أصدقائه, أو العداوة بينه وبين أقربائه, أو جيرانه, وأخذ أمواله وأفسد عليه دينه، وربما أغراه بأن يذبح للجن والعياذ بالله أو يتقرب إليهم بالقرابين، أو يفعل معهم الفواحش, وربما ارتكب الشرك كالذبح للجن، أو التقرب إليهم بالعبادات التي لا تفعل إلا لله تعالى، وهذا من أعظم الأمور التي ينبغي أن يوعَّى الناس بها، ويُبيَّن لهم أن هؤلاء القوم لا ينفعون، بل يضرون، وأنهم أكلة ومرتزقة يأكلون أموال الناس بالباطل، ويضحكون عليهم ولا ينفعونهم بشيء، وإنما الضار والنافع هو الله تعالى.
فمن أصيب بشيء من ذلك فعليه أولاً بكثرة الدعاء، والإنكسار لله تعالى، واختيار أوقات الدعاء التي يستجاب فيها الدعاء, كالدعاء بين الآذان والإقامة, والدعاء في الثلث الأخير من الليل, والدعاء في أدبار الصلوات المكتوبات، والدعاء في أثناء الصلاة في الركوع والسجود، وكذلك الدعاء يوم الجمعة بعد دخول الإمام إلى أن تقضى الصلاة، وفي آخر ساعة من الجمعة, وتحرِّي أيضاً الأحوال الفاضلة, كتحري نزول المطر مثلاً، والانكسار لله والخضوع له، وأن تدعو الله بالأسماء الحسنى والصفات العليا، ولا تتعدى.
وأن تقدم بين يدي الدعاء الصدقة والقربان، والخروج من الذنوب والمعاصي, فحينئذٍ يستجيب الله لك كما قال سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] .
ومن ذلك: أنه لا بأس أن يذهب فيسائل بعض القراء الموثوقين، المعروفين بالصلاح والتقوى والورع, ممن يقرأ على المريض شيئاً من القرآن, أو من الأدعية المشروعة وينفث عليه، فيكون سبباً في ذهاب الجن أو السحر, أو أن العين عن الإنسان, أو يخف ذلك عنه مع الوقت.
ومن ذلك: أن يقرأ الإنسان على نفسه آية الكرسي، وبعض السور القصار كسورة الإخلاص والمعوذتين وينفث، ويحافظ على الورد صباحاً ومساءً، فإن ذلك ينفعه بإذن الله تعالى.
ومن ذلك: فعل الأسباب المادية المباحة، كأن يظن الإنسان بشخص -مثلاً- أنه وقعت منه العين، فيأتي بشيء منه يغسل ثيابه أو يغتسل له, أو ما أشبه ذلك، ويصب على بدنه، أو يظن أن فلاناً وضع له سحراً, فيبعث إليه من يحاول أن يغريه بأن يبين له مكان السحر وما أشبه ذلك, حتى يزول عنه -بإذن الله تعالى- كما حصل بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام, فإنه سحره لبيد بن الأعصم كما في الصحيح، وجاء الملكان فأخبرا النبي صلى الله عليه وسلم بالذي فعل السحر, وهو لبيد بن الأعصم، وأين مكان السحر وهو بئر معروفه وهي بئر ذرمان في المدينة، وأن السحر كان في مشط ومشاطة وجب طلعة ذكر, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد حاجة لإخراج السحر وإتلافه، لأنه قال: {أمَّا أنا فشفاني الله تعالى وكرهت أن أثير على الناس شراً} .
أما الذهاب إلى السحرة والعرافين والمنجمين، وتوسع الناس فيه على نحو ما يجري الآن؛ فهو من أعظم المخاطر, فإن معظم الناس يصاب بمرض عضوي في بدنه، أو مرض نفسي, أو توتر, أو قلق, أو ما أشبه ذلك, فلا يعرفون أبداً إلا أن يذهبوا للسحرة والكهنة في هذه البلاد وفي بلاد أخرى, فيعطونهم أموالهم ويصدقونهم فيما يقولون، وقد جاء في ذلك الوعيد الشديد، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من أتى كاهناً أو عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} وفي الحديث الآخر: {من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم} .