الجهل بالدين والدنيا

نشتكي أموراً وإلى الله المشتكي.

أولها: الجهل بالدين، والجهل بالدنيا، فأما الجهل بالدين، فإن المسلمين يعانون أزمة علماء في كل بلد، والقدر الضروري من العلم الذي لابد لكل مسلم أن يعلمه وما يسمى من المعلوم بالدين من الضرورة، أو العلم الضروري، حتى العلم العملي، والاعتقادي أكثر المسلمين لا يعرفونه، ولا أتحدث عن الجمهوريات السوفيتية، لأنها كانت تحت الشيوعية أكثر من سبعين سنة، ولا عن المسلمين -مثلاً- في البوسنة والهرسك، لأنهم أيضاً كانوا تحت الشيوعية، أو ألبانيا لأنها كانت شيوعية، بل أتكلم عن البلاد الإسلامية التي تحررت من الاستعمار منذ زمن بعيد، لا يعرفون حتى فرض العين الذي يجب عل كل مسلمٍ أن يعلمه.

أمرٌ آخر: أستطيع أن أقول وأنا متأكد مما أقول، لو جمعنا علماء المسلمين كلهم، ودعاة المسلمين كلهم، لو حشرناهم في بلد إسلامي واحد متوسط العدد، لم يستطيعوا أن يغطوا حاجة الناس إلى العلم الشرعي في هذا البلد، أي: لو حشدنا علماء المسلمين الصادقين من العالم كله، ووزعناهم على بلدٍ واحد، مثل تونس، أو الجزائر، أو مصر -من بابٍ أولى- لم يستطع هؤلاء العلماء أن يغطوا حاجة الناس إلى العلم الشرعي، فما بالك إذا فرقوا على مساحة شاسعة واسعة من العالم الإسلامي.

أصبح العالم عزيزاً نادراً، وقد زرت بلداً إسلامياً هو إندونيسيا الذي بلغت إحصائيته اليوم أكثر من مائة وثمانين مليون مسلم، فلم أجد في العاصمة جاكرتا إلا أربعة علماء، وأقول: علماء تجوزاً؛ لأن بعضهم مثقفين ومفكرين وليسوا علماء شرعيين، والعالم الشرعي الوحيد الذي أعتبره فعلاً عالم، وله كتاب مصنف في التفسير، وكتب أخرى، كان كبير السن، جاءوا به إلينا يحملونه على نقالة -عربة- لأنه رجل مقعد وقد جاوز الثمانين من عمره.

أما الجهل بالدنيا فالأمر أوضح من أن يتكلم عنه إنسان، وعلى الرغم أن لدينا علماء وخبراء وعقول، إلا أن التربة هنا والمجتمع والبيئة والظروف السياسية، والعلمية، غير قابلة لنشوء علم صحيح، فجو القهر والحرمان والخوف، يحطم كل الطاقات وكل الإمكانيات، ولذلك تهاجر العقول العربية والإسلامية إلى المراكز العلمية بالغرب فيستفيد الغرب من هذا التزيف للعقول البشرية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015