Q ذكرت في معرض حديثك عن الإعلام ودوره في بث روح الجهاد في الأمة، كيف يكون ذلك، ونحن نجد أن كثيراً من أجهزة الإعلام تبث الموسيقى عوضاً عن الأشياء التافهة التي أشرت إلى شيئاً منها، لماذا لا يتغير هذا كله أو يُغير من يقوم عليه ليكون أهلاً لبث روح الإسلام وبث ما ينفع المسلمين بتوجيه وتعاون بين العلماء وبين ولاة الأمر؟
صلى الله عليه وسلم المسئولية لا شك أنها علينا جميعاً -أيها الإخوة- كل امرئٍ منا عليه الدور، ولنفترض -مثلاً- أن هذا الأمل أو الرجاء الذي طلبه الأخ لم يتحقق، ولم يسمع إليه، هل معنى ذلك أن نجلس نحن مكتوفي الأيدي ننتظر أمراً من السماء في تصحيح وضعٍ عجزنا عن تصحيحه؟ لا.
ينبغي أن يقوم كل واحد منا بدوره بقدر ما يستطيع في إصلاح ما يمكن إصلاحه.
ولعلي أضرب لكم مثلاً أيضاً بالمقارنة: كثير من الطيبين يقومون بعمل يسير وينتظرون من جراء هذا العمل نتائج خطيرة وكبيرة جداً، وعلى العكس من ذلك اليهود والنصارى أو حتى المنافقين أو المنحرفين يقومون أحياناً بأعمال كبيرة جداً ويقنعون بالنتائج اليسيرة.
أنت -مثلاً- نفترض أنك كتبت برقية في أمر من الأمور أو رسالة أو نصيحة لأحد أو اتصلت هاتفياً، أو حتى قمت بزيارة لإنسان فتريد أن يكون أثر هذه البرقية أو هذه الرسالة أو المهاتفة أو الزيارة، تغييراً كلياً لأمرٍ أنت لا تقتنع به وترى أنه معارض للإسلام، وهذه الإرادة نحن معك نتمنى هذا، لكن ليس بالضرورة أن يحصل هذا، أولاً اسأل نفسك كم خسرت؟ الورقة التي كتبت فيها كم تعادل؟ لا تعادل قرشاً واحدً، وكذلك الحبر والمبلغ الذي بعثت به الخطاب أو البرقية ربما تعطيه أحد أطفالك حتى يسكت عن البكاء.
إذاً ما عملت شيئاً، والوقت الذي بذلته في كتابة الرسالة أو الاتصال أو الزيارة يمكن أن تبذل ضعفه أو أضعافه في جلسة غير مفيدة مع أحد الأصدقاء، إذاً أنت قمت بجهد وأنت مشكورٌ عليه، لكن لماذا تنتظر من هذا الجهد المتواضع الذي قمت به أنه سوف يغير الدنيا كلها.
وعلى العكس من ذلك: فقد أقرأ في تاريخ اليهود في أمريكا أعاجيب، أحياناً يكتبون عرائض يوزعونها على الناس ويوقعها مئات من كبار الشخصيات، وأحياناً يرفعون مئات الألوف من البرقيات في موضوع من الموضوعات إلى رئيس الدولة أو لأعضاء الكونجرس أو لغيرهم؛ في تأييد إسرائيل، أو في طلب تأييد الموقف اليهودي أو في طلب إعانة أو احتجاج أو أي شيء، ويفعلون ما يسمى باللوبي الذي هو الضغط، جماعات الضغط اليهودية يفعلون أشياء كثيرة جداً، ومع ذلك يقنعون ببعض النتائج.
لماذا أصبح عند المسلم -مع أن المفروض أن يكون قوياً بإيمانه واثقاً صبوراً- ضعف وقلة في جلده، قصير النفس يريد نتائج سريعة مقابل أعمال بسيطة.
يا أخي! لابد من الصبر وسعة البال وطول الانتظار وابذل وابذل وابذل وستجد النتيجة، وما أُشبِه تصرف وموقف بعض الناس الذين ييئسون بسرعة إلا بـ الكسعي الذي كان يصنع القسي -السهام- ثم يرمي بالليل -وقد صنع قوساً ممتازة- ثم رمى بها ولم يدر أنه قد أصاب ثم رمى مرة أخرى ورمى مرة ثالثة فغضب وكسر القوس، فلما أصبح الصباح نظر فوجد أن السهام الثلاثة التي أطلقها كلها قد أصابت الهدف ولكنه لم يعلم، فندم ندماً شديداً على تكسير القوس وأصبح مضرب المثل، يقول أحدهم: ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقة نوار ُ فيضرب به المثل في كثرة الندم، فهكذا بعض الطيبين يقومون بأعمال دون أن يدركوا آثارها ونتائجها ولذلك يقطعونها وأحب العمل إلى الله تعالى أدومه وإن قل.