عدم الاعتداء في الدعاء

وكذلك من آداب الدعاء: أن لا يعتدي الإنسان في الدعاء، يقول الله عز وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] وللذلك في الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع ابناً له يقول: [[اللهم إني أسألك الجنة وحورها وقصورها ونعيمها وما فيها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار، وحياتها وعقاربها وسعيرها وعذابها، فقال له: أي بني إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الدعاء، إذا سألت الله عز وجل فاسأله الجنة، فإنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها، واستعذ به من النار، فإنك إن أعذت من النار أعذت منها ومما فيها]] أي: أنه لا داعي لهذه التفاصيل وكذلك صح عن عبد الله بن مغفل، أنه سمع ابنه يقول: [[اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الداخل إلى الجنة، أو القصر الأخضر، فهو يصف قصراً في الجنة كأنه رآه، فقال له: أي بني إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الطهور والدعاء} اسأل الله الجنة واستعذ به من النار]] ولذلك فإن أشياء كثيرة يفعلها الناس اليوم، تُعَدُّ من الاعتداء في الدعاء: أ/ دعاء الله بأسماء لم تثبت: بعض الناس يدعون الله عز وجل بأسماء لم تثبت، مثل قول بعض الناس: يا سبحان، يا برهان، يا غفران، فهذه أشياء لم ترد في أسماء الله جل وعلا، إنما لا بأس أن تقول: يا رحمان! يا حنان! يا منان! يا ديان! وما أشبه ذلك من الأسماء التي ثبتت لله عز وجل.

ب/ التفصيل في الدعاء: ومن الاعتداء في الدعاء: أن الناس يفصلون في الدعاء، فإذا دعوا فصَّلوا مثلما سبق، أسألك الجنة كذا وكذا وكذا، ويذكر تفاصيل ما في الجنة، حتى أن بعض الدعاة إذا دعا، يبدأ في وصف الجنة وكأنه في موعظة أو خطبة، ثم يبدأ في وصف النار وكأنه في خطبة تحذير وإنذار، وهذا لا يسوغ في الدعاء، بل هو من الاعتداء.

ج/ الدعاء على أحد بالتفصيل: ومن الاعتداء: بعض الناس إذا دعا على أحد دعا دعاءً مفصلاً، فبدلاً من أن يقول: اللهم عليك بفلان، أو اللهم عليك بأعداء الإسلام، يبدأ بالتفاصيل، اللهم عليك بفلان، اللهم اجذع أنفه، واقطع أذنه، وافعل به كذا وكذا، وأصبه من الأمراض بكذا وكذا، وافعل بيده كذا، وبرجله كذا وبماله كذا، وبولده كذا، ويبدأ يطيل في الدعاء.

ادع الله عز وجل كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش، إن كان مستحقاً للدعاء، اللهم عليك بفلان، اللهم عليك بأعداء الإسلام، فإن كان المدعو عليه مسلم، فمن الأولى أن لا تدعو عليه، بل أن تدعو له بالهداية والصلاح والمغفرة.

د/ الدعاء بما لم يرد: ومن الاعتداء في الدعاء: أن بعض الناس يطيلون بأدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون بعضهم جهال، فيدعون الله عز وجل بدعاء غير مأثور ولا مشروع، ولذلك نقل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنه كان يقول: [[إن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء، قالوا: كيف يحتاجون إلى العلماء؟ قال: إنه إذا قيل لأهل الجنة تمنوا، لم يعرفوا كيف يتمنون حتى يذهبوا إلى العلماء فيسألونهم ماذا نتمنى]] فما كل أحد يستطيع أن يحسن الدعاء ولذلك بعض الناس يريد أن يدعو فيدعو دعاءً غير لائق، وغير مناسب ولا ينبغي، مثل ذلك الرجل الأعرابي -كما ذكره الخطابي وغيره- الذي قام يستسقي وقال: رب العباد ما لنا ومالك، قد كنت تسقينا فما بدالك.

هذا لا يليق بالله عز وجل أن يخاطب بهذا: قد كنت تسقينا فما بدالك.

الله عز وجل لا يجوز أن يقال له فما بدالك، الله يعلم ما مضى وما يأتي، ولا يغيب عنه شيء جل وعلا.

فالإنسان ينبغي أن يقتصر في دعائه على المشروع، كما قال الإمام أحمد رحمه الله، وقد سأله الأثرم فقال له: ماذا أقول في آخر صلاتي؟ قال: تدعو بما ورد.

قال: أرأيت قول النبي صلى الله عليه وسلم: {ثم ليتخير من المسألة ما شاء} ؟ قال: يعني مما ورد.

والمقصود حين نقول مما ورد، لا يلزم بالنص، أي مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان بالنص أو بالمعنى، فالأعرابي الذي كان يقول: {يا رسول الله، إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، إنما أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولهما ندندن} فكون الإنسان يدندن بما ورد، أي من الألفاظ النبوية أو من المعاني النبوية، لكن لا يعتدي بدعاء غير مشروع.

هـ/ الدعاء بأمر مستحيل: وكذلك من الاعتداء في الدعاء: أن يدع الإنسان بأمر مستحيل، مثل كونه يدعو الله أن يبلغه منازل الأنبياء، فإن منازل الأنبياء لا يبلغها أحد غيرهم، ورتب الأنبياء لا يمكن أن يصل إليها أحد من الخلق.

ومثل ذلك الدعاء بالخلود، بعض المنافقين إذا دعوا لحاكم أو لأمير، يقولون: خلد الله ملكك وأبَّد سلطانك.

الله عز وجل هو الذي له البقاء الدائم في ملكه وسلطانه، أما ملك البشر فيزول، والكرسي يدور بهم، ولو بقي لهم ما انتقل من غيرهم، فهذا من الاعتداء في الدعاء الذي لا يجوز.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015