من صور المعاناة: مصادرة حرية الجيل وفصله عن ماضية المجيد, فصوت الداعية مبحوح, ورأي الرشيد مذبوح, ومرتزق الفكر يغدو ويروح.
من صور المصادرة: أن يتهم الناصح في نيته, ويشكك في مقاصد أهل الخير وأهل الفضل, وإلا فمبدأ المؤمن النصح, لا يريد الغش لله ولا لرسوله ولا للمؤمنين.
أتى أبو سفيان إلى علي في الليل يطرق عليه بابه, قال: يا علي أتريد الخلافة من أبى بكر , لأملأن عليك المدينة فتيانا مرداً وخيلاً جرداً لتأخذ الخلافة من بنى تيم إليك, وهذا منطق الجاهلية، قال علي: [[يا أبا سفيان إن المؤمنين نصحة, وإن المنافقين غششة]] فالناصحون لا يتهمون، وإنما يريدون أن يحفظ الله بنصيحتهم البلاد والعباد, وأن يحجب غير الملتزم والمستقيم عن ميادين الإبداع, وعن مجال التأثير, وأن يعد طارئاً على المألوف, وارداً على السائد المتعارف عليه، حادثاً بأفكاره، وأن يترك الميدان لغيره، والكلمة لسواه.
إذا عيَّر الطائي بالبخل مادر ٌ وعير قساً بالفهاهة باقل وقال الدجى للشمس أنتِ كسيفة وقال السهى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل يريد المشاركة هؤلاء الأخيار، فيجدونها في أضيق نطاق، بينما يجد أهل الهوايات الأبواب المفتوحة، والصدور المشروحة, وأهل الهوايات أصبحوا نجوماً، وباعة المبادئ أعلاماً، وأشباه السائمة رموزاً, فشياطين الإنس يجولون في صدور أولئك, ويحولون بين الشباب هؤلاء وبين ما يريدون من الخير, ويدغدغون الغرائز، أما هؤلاء الثلة الممتازة، التي تريد رفع لا إله إلا الله محمد رسول الله, يسخرون بدينه وبنبيه, ويتلاعبون بمصادر عزته, فأصواتهم ومجلاتهم وإشاراتهم ولافتاتهم وأغانيهم وكتبهم وجرائدهم وأشرطتهم في كل بيت, في المعمل، والعيادة، والدكان، والجامعة، والسوق, ثم يقال له: احذر أن تسيء الأدب, أو أن تجرح المشاعر, أو أن تغضب الآخرين, أو أن تنكر.