التجاوزات في مؤسسات الدولة ومخالفة النظام فيما لا يضر

Q هذا موظفٌ في قسم المتابعة يقول: أنا مطالبٌ بتطبيق الأنظمة حرفياً، وذلك أثناء توقيع الجزاءات التأديبية, هل التجاوزات عن بعض الأخطاء التي لا تؤثر على المصلحة العامة، وعدم وقوع العقوبة، هل هذا يعد محرمًا من الناحية الشرعية؟ وهل نحن مطالبون بتطبيق النص النظامي حرفيًا؟ أم يكفي إزالة الأخطاء وبأي طريقة؟

صلى الله عليه وسلم النظام كما هو معروف، هو من وضع البشر، بخلاف الشريعة فهي من عند الله تعالى, والله تعالى يقول عن القرآن: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] ولذلك الأنظمة الهدف منها الضبط الإداري, ضبط العمل, ومن الممكن أن يكون النظام صالحاً في هذا العام, ولكنه غير صالحٍ في العام القادم, أو من الممكن أن نكتشف أن هذا النظام أصبح غير مناسب, وبالتالي لابد من تغييره، إلى غير ذلك مما هو معروف.

فعلى الإنسان أن يدرك أن النظام له هدفٌ يجب السعي إلى تحقيقه, وهو الضبط الإداري, وضبط الحضور والانصراف, وضبط القيام بالعمل, وضبط احترام المراجعين, وضبط المحافظة على الممتلكات, وضبط حسن المعاملة مع الرؤساء أو المرءوسين، إلى غير ذلك من الأهداف التي يسعى النظام إلى تحقيقها.

فأنت كقائمٍ على موضوع تنفيذ الجزاءات، فيلزمك أن تراعي كل هذه الاعتبارات, وكل حالةٍ تقدر بقدرها، ويجتهد الإنسان المسئول في تطبيق ما يتعلق بها, ومن الصعب أن أقول لك: نعم أو لا.

لأن هذه قضايا عينية, قضايا واقعية تفصيلية, الكلام الذي أقوله فيها، مهما كان سيظل كلامًا عامًا، قد يستخدمه إنسانٌ بصورةٍ صحيحة وقد يستخدمه آخر بصورةٍ عكسية, وبالتالي أعتقد أن مثل هذا السائل ينبغي أن يتحرى، ولا بأس أن يسأل بنفسه بشكل مباشر، فيسأل بعض أهل العلم عن بعض الأمور، وبعض الأشياء، وبعض الجزئيات، وبعض التفصيلات؛ بحيث يملك بعض الوقت قاعدةً منضبطةً مضطردةً يطبقها.

فمثلاً: نحن نعلم جميعًا أن الظلم محرم في جميع شرائع الله عز وجل, بل وفي جميع قوانين البشر، والله تعالى يقول: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {اتقوا الظلم فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة} ويهدد الظالم بالهلاك في الدنيا، وفي الآخرة ويهدد بأنه يسلط عليه من هو أظلم منه, فأحيانًا قد أكتشف يقيناً بأن هذه الحالة ظلمٌ على هذا الإنسان لسببٍ أو لآخر، هنا ينبغي أن أسعى في دفع الظلم, وأحيانًا قد أجد أن هذا الشيء قد يكون إهمالاً أو تساهلاً أو تفريطًا, وأن التفريط في مثل هذا الأمر قد يغري هذا الإنسان بمزيدٍ من الإهمال, أو يغري غيره أيضاً بأن يسعى وأن يفعل مثل فعله, فكل حالة لها حكمٌ، وتقدر بقدرها، وأرى أن مثل هذا الأخ لو اتصل مباشرةً ببعض طلبة العلم، وسأل عن بعض التفاصيل؛ ربما كان أجدى وأنفع.

(توضيح السؤال من السائل) يقول: يا شيخ أنا لا أقصد الظلم! وإنما الإصلاح.

الأمر هنا كما ذكرت، أي أن النظام، وضع لضبط العمل، فإذا كان هناك في النظام؛ عقوبة مثلاً على من أخل بالعمل, عقوبةً معينة, وأخل إنسانٌ بحيث أصبح مستحقًا لهذه العقوبة, الأصل هو تطبيق هذه العقوبة عليه، هذا هو الأصل، وليس يعتبر في هذه الحالة ظلمٌ، بل قد يكون هذا الأمر لا بد منه من أجل ردعِ هذا الإنسان كما أسلفت, أو منع غيره أن يحذو حذوه فهذا أمرٌ واضح.

لكن يوجد أحيانًا ملابسات، بحسب ما اطلعت فيه على أجهزةٍ كثيرة, يوجد ملابسات وأحوال تستدعي أن القائم على مثل هذه الأمور التأديبية؛ أن يسأل ويستبين ويطلع على جلية الأمر وعلى حقيقته، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه في هذه الحالة, لأنه حينئذٍ إما أن يظلم هذا الموظف؛ بأن يكون أوقع عليه عقابًا لا يستحقه، فيكون ظالمًا بهذا الاعتبار, وإما أن يظلم العمل الذي يقوم عليه؛ بتفويت العقوبة للمخطئ الذي يستحق العقاب، وتجريء الآخرين على أن يعملوا مثل عمله, وكلا الأمرين خطأ, فهو مثل الذي يمشي على طريقٍ دحض مزلةٍ وعرٍ، يتطلب أن يكون يقظاً، وأن يحرص على العدل والإنصاف بقدر ما يستطيع.

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل لصاحب الفضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة , على تفضله بحضور هذا الاجتماع مع أبنائه وإخوانه، فشكر الله له, وجعل هذا العمل خالصًا لوجهه سبحانه وتعالى, ونفعنا بما سمعنا، وشكر الله للمسئولين على حضورهم، ولكم أيها الإخوة أجمل شكر, وإلى لقاءاتِ الخير دائمًا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015