وأيضاً نحقق هذا الشعور، وهذا الإيمان الذي أكرمنا الله تعالى به؛ نحققه بالمشاركة, وأن لا نعتبر أن مسئولية الإسلام, أو مسئولية الدعوة, أو مسئولية نشر الكتاب, أو مسئولية نشر الشريط, أو مسئولية تطبيق الخُلق الإسلامي, مسؤولية فئة معينة, أو جهة معينة, أو إدارة معينة.
كل فردٍ منا يجب أن يشعر بأنه مسئول, -وأحيانًا- الإنسان الذي يرى أنه منحرف أو مقصر أو مفرط؛ يستطيع من ذلك ما لا يستطيعه الملتزم -كما يسمونه- أنت بشكلك، وصفتك وطبيعتك، وتكوينك وعلاقاتك وصداقاتك، ربما تطلع على أسرار في المجتمع لم يطلع عليها غيرك, وربما تعرف أشياء ما عرفها غيرك, وربما تدرك أموراً قد لا يدركها كثيرٌ من البعيدين عن هذه المجالات, وربما تعرف الأسلوب المناسب لمخاطبة هذه الفئة أو تلك, فلماذا لا تقيم العلاقة مع الأخيار, ومع طلبة العلم, ومع العلماء, ومع الدعاة, ومع خطباء المساجد, ومع المعنيين بأمر الإسلام, تقيم معهم العلاقة, وتوافيهم بكل جديد, وتبين لهم ما تراه, وتخبرهم بما تعتقد أن فيه مصلحةً، وأن في إطلاعهم عليه مصلحةً, وبذلك تكون مشاركًا في عملية تحقيق معنى إسلامية هذا المجتمع.
أيضاً أنت بحكم موقعك، مسئولاً أو طبيباً أو إدارياً أو غير ذلك؛ تستطيع مالا يستطيعه البعيد, وتطلع على مالا يطلعون عليه, فلماذا لا تحقق معنى انتمائك لهذا الدين من خلال موقعك؟: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] وإياك إياك أن تعتقد أن إخلاصك لله تعالى في عملك، وصدقك في تطبيق معاني التدين؛ أن هذا يضرك, لا والله الذي لا إله غيره, إذا رضي الله عنك, فلا يضرك أن يسخط الناس كلهم, وأنا أقول لكم أيها الأحبة واقعاً عملياً، أعرف مجموعات من الشباب في مواقع كثيرةٍ وكثيرةٍ جداً، عندهم وضوح وصدق وجرءة وعزيمة, هؤلاء، والله حصلوا على رتبٍ وظيفية، لم يحصل عليها جميع زملائهم الذين تخرجوا معهم, ما ضرهم أبدًا، بل حصلوا على أشياء ما حصل عليها غيرهم ممن سبقهم في هذه الميادين.
إذاً: من رضي الله تعالى عنه أرضى عنه الناس, ومن سخط الله تعالى عليه أسخط عليه الناس, وليست العبرة بيومٍ أو ساعةٍ أو شهرٍ أو سنةٍ، العبرة بحياتك كلها، وجرب تجد.
بل لا أقول لك: جرب، لأن المعاملة مع الله لا تحتاج إلى تجربة, أو تشك في وعد الله، حاشاك من ذلك, والله تعالى لا يخلف الميعاد, فاصدق مع الله تعالى، واحرص على أن تستخدم كل وظيفة بوأك الله إياها, حتى ولو كانت صغيرة, افترض أنك موظفٌ صغير في الأشعة أو في الصيدلية أم في الاستقبال، أم في أي جهازٍ معين، سواءً في هذا الجهاز الشئون الصحية أو غيرها, حاول أن تطبق كل ما تعلمه من الدين في مجال عملك, وأن تتعامل بالأخلاق الفاضلة, وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بقدر ما تستطيع, وأن تسدي النصيحة, وأن تحرص على أن تمنع كل أبواب الشر, وأن تفتح كل أبواب الخير بقدر ما تملك, وستجد أن الله تعالى لك بكل خيرٍ أسرع, يعطيك السعادة في قلبك, والتوفيق في حياتك, والسعادة في علاقاتك مع زوجتك, والرفعة بين زملائك, ويدفع عنك كل سوءٍ وشر, وستجد أنك موفقٌ في دنياك قبل آخرتك, وتلك عاجلُ بشرى المؤمن.
فعليك إذا أن تستخدم كل إمكانياتك، وكل صلاحياتك، وكل مواهبك، وكل الفرص التي تتاح لك؛ في تحقيق معنى كونك مسلماً: ومعنى كونك مؤمناً, ومعنى كونك متديناً, حتى لو لم تكن متديناً فيما يراه الناس؛ ولكن أنت مسلمٌ رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً, فواجبٌ عليك أن تحقق ولو قدرًا من ذلك.