لذلك فإن السبيل الوحيد -إلى تحصيل السعادة، وإلى طرد الهموم- السالم من جميع المنغصات، هو: العمل لله عز وجل، والتوجه إليه تبارك وتعالى بكل النفس والقلب، والإعراض عن كل ما سواه من المخلوقين.
ولذلك فإن الإنسان الذي يعمل لله عز وجل يكون في سرور أبداً، فهو إذا حصل ما يعمل من أجله أصابه السرور، وإذا انتصر أصابه السرور، وإذا انهزم أو لم يحصل على ما يريد أو أخفق، فإنه لا يغتم لذلك؛ لأنه يعرف أن الأجر الذي وعده الله عز وجل مرتب على العمل وليس على النتيجة.
ولذلك كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: ما يصنع بي أعدائي، أنا جنتي وبستاني في صدري، حيثما ذهبت فهي معي لا تفارقني، سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة.
فالسعادة مستقرها القلب، ولا سبيل لهم على القلب، فإن سجنوه تفرغ للعبادة، وإن آذوه شعر بأن هذا الإيذاء في ذات الله، فوجد من سرور القلب ونعيمه بهذا الأذى ما لا يجده الناس الذين يظن أنهم سعداء يتقلبون على فرش الحرير والديباج، وإن نفوه من بلده شعر بأن هذه سياحة، وأقصى ما يفعلون به أن يقتلوه، وهذه شهادة يتمناها كل مسلم صادق، ويدعو الله عز وجل أن يبلغه منازل الشهداء، فيحتار أعداؤه فيه.
وها نحن أمام داعية من الدعاة المعاصرين يشرد من بلده ويطرد ويؤذى بألوان الأذى، فلا يأبه بما يصنع الأعداء وما يضعون أمامه من العراقيل، فيقول ضمن قصيدة طويلة: ولو ملكت خياري والدنا عرضت بكل إغرائها في فنها العجب لما رأت غير إصراري على سنني وعادها اليأس بعد الهدِ والنصبِ قلبي خليٌ عن الدنيا ومطَّلبي ربي فليس سراب العيش من أربي ثم يقول وقد فقد كثيراً مما يجده الأغنياء والمترفون، وأخرج من بلده وتغرب، وفارق أهله وأصدقاءه، يقول بلسان المؤمن الصادق: ربي لك الحمد لا أحصي الجميل إذا نفثت يوماً شكاة القلب في كرب فلا تؤاخذ إذا زل اللسان وما شيء سوى الحمد في الضراء يجمل بي لك الحياة كما ترضى بشاشتها فيما تحب وإن باتت على عضبي رضيت في حبك الأيام جائرةً فعلقم الدهر إن أرضاك كالعذب وهذا الشعور ليس شعوراً خاصاً بهذا الداعية، أو بذلك الإمام الجليل، بل هو شعورٌ وجده كل مسلم صادق، وهو يفقد ما يفقد من زخرف الدنيا، وجده محمد صلى الله عليه وسلم حينما خرج من مكة، ووجده أصحابه وهم يطردون منها كل مطرد، ووجده المؤمنون في غزوة أحد وهم يهزمون , ووجده أصحاب الرجيع وهم يقتلون، ووجده كل مؤمنٍ يجد الأذى في ذات الله عز وجل فيعوض عما فقد من هذه الدنيا، بهذا السرور القلبي، الذي لا يمكن أن يوصف، وإنما عبر عنه هذا أو ذاك، عبروا عنه على لسان الجميع.