أولاً: لابد أن ندرك أهمية الدين في الصراعات العالمية اليوم، وأن ندرك أثره في الأحداث التي تقع في كل مكان.
إن العالم كله اليوم، يعيش فترة استقطاب ديني على كافة المستويات، في جميع الدول، فليست الصحوة فقط بين المسلمين، بل إن النصارى يشهدون صحوة قوية في كل العالم النصراني، وهناك جماعات إنجيلية، وجماعات أصولية نصرانية في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا وفي بلاد الروس، وفي غيرها، تتمسك بالنصوص الحرفية لأناجيلها وكتبها.
وكذلك في شأن اليهود، فإن هناك جماعات يهودية كثيرة، تتمسك بحرفية نصوصها، التي تزعم أنها مقدسة، وتتحمس وتتعصب لدينها، وتطالب بالقضاء على المسلمين، وتحقيق ما يسمى بدولة إسرائيل الكبرى، بل يقول أحد كبار المسئولين في إسرائيل: إن أكثر الأحزاب الموجودة في التحالف القائم اليوم، أو التكتل القائم، إن أكثر تلك الأحزاب حمائمية وتساهلاً، لا يمكن أن ترضى بتسليم الأرض إلى المسلمين، التي احتلها اليهود.
وهكذا الحال بالنسبة لأهل البدع، فإن جميع أهل البدع يوجد عندهم تعصب لدينهم اليوم، وإقبال على إحياء بدعهم؛ فلو نظرت إلى أحوال الرافضة، سواء في بلاد إيران، أو في العراق، أو في مناطق الخليج العربي كلها، وبدون استثناء، لوجدت أنهم قد تحمسوا لدينهم، وتعصبوا لبدعتهم، وبدءوا يعودون من جديد إلى الدعوة إليها، وتربية أولادهم وبناتهم عليها، والاجتماع على ضوئها، والمطالبة بالاعتراف بها إلى غير ذلك.
ولو نظرنا إلى الإباضية، سواء في عمان، أو في الجزائر، أو في ليبيا أو في غيرها، من المناطق التي توجد فيها الأقلية الإباضية، وهم فئة أقرب ما يكونون إلى الخوارج، وإن كانوا يختلفون معهم في بعض جوانب الاعتقاد، لوجدنا أن هؤلاء تحمسوا من جديد وعادوا، وبدءوا يطبعون كتبهم، ويحيون تراثهم، ويقيمون الدروس والأعمال العلمية، ويحاربون كل من يخالفهم في ذلك.
وإذا نظرنا إلى الأمة الإسلامية، وأهل السنة لوجدنا -بحمد الله- أن الله تعالى أنعم عليهم، هم الآخرين، بنعمة عودتهم إلى الدين، وانتشار الصحوة الإسلامية في أوساطهم رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وهذه نعمة من الله تعالى نحمده سبحانه عليها.
المهم أن قضية الدين اليوم، أصبحت قضية ذات أهمية كبرى، في الأحداث التي تجرى في العالم كله، ومن المحال أن يقبل المسلمون بتلك الدعوات التي تدعو إلى أن يعودوا علمانيين، وأن يتخلوا عن ولائهم للإسلام، وأن يتخلوا عن هذا التوحيد الذي ميزهم الله تعالى به، كيف والقرآن الكريم يدعوهم أن يعبدوا الله تعالى وحده، لا يشركوا به شيئا؟! كيف وهم يرون أن أهل الضلال تحمسوا لضلالهم، وأهل الكفر تحمسوا لكفرهم؟! فكيف يطالب أهل التوحيد، وأهل الإيمان، وأهل السنة بأن يتخلوا عن الحق الذي ائتمنوا عليه؟! ليكونوا علمانيين، يرضون بفصل الدين عن الحياة، وفصل الدين عن السياسة، وفصل الدين عن الإعلام، وفصل الدين عن الفن، وفصل الدين عن الأخلاق، وفصل الدين عن أمور المجتمع، ليكون الدين علاقة بين العبد وربه، تختصر في الصلوات وفي المساجد وحسب.
إن هذا ما كان ولن يكون، فإن الله تعالى أنزل كتابه مهيمناً على كل شيء، وأنكر وعتب على أولئك الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض الكتاب، فقال سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85] .