أنهم أحياناً يحولون الفرع إلى أصل، ومع الأسف الشديد هناك من يحولون الأصل -أيضاً- إلى الفرع.
فالذين يحولون الفرع إلى أصله مثاله: أن أختلف معك في قضية جزئية من مثل القضايا التي سردتها قبل قليل، فتجدني أقيم الدنيا وأقعدها على هذه المسألة الفرعية، وأعتبر أن موقفي منك يتحدد على ضوء هذه المسألة.
أو قد نختلف مثلاً في جلسة الاستراحة التي تفعل بعد الركعة الأولى والركعة الثالثة هل هي سنة أو ليست سنة؟ بعضهم يبالغ فيقول: واجب، وبعضهم يقول: مكروه، فتكون هذه المسألة سبباً للبعد بيني وبينك، والهجر -أحياناً- والمباعدة بسبب هذه القضية الجزئية.
فهنا حولت الفرعية إلى أصلية، وبعض الشباب يلتمسون تأويلاً لهذا، يقولون: هذه الأمور أصبحت سيما للملتزم بالسنة، فإذا صار الإنسان لا يفعلها عرفت أنه ليس ملتزماً بالسنة، وبالتالي ابتعدتُ عنه، فهذا غلط آخر؛ لأنه كيف نجعل علامة للالتزام بالسنة ليست هي العلامة التي جعلها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فمن الخطأ كل الخطأ أن يبالغ الشباب ويستغرقوا في جزئيات لا نهاية لها.
أذكر أنني قرأت في مسألة جزئية -ربما الأحاديث فيها قليلة- قرأت فيها نحو أربعة عشر بحثاً ما بين كتاب إلى بحث إلى مجلة، وهو موضوع (كيفية تحريك الإصبع في التشهد) كيف تحرك إصبعك في التشهد؟ هل تجعل الإصبع هكذا ساكناً؟ أم تحركه باستمرار دون توقف؟ أم تحركه عند الدعاء وذكر الله جل وعلا؟ أم ماذا تفعل؟ ويُحدثني أحد طلاب العلم أنه صلى في الحرم إلى جوار أحد الشباب؛ فقال أنه كان يدير إصبعه بطريقة دائرية هكذا، يعني يرسم دوائر بإصبعه السبابة أو السباحة، فيقول: وعندما سلَّم سألته: ما هو السبب في هذا الصنيع الذي تقوم به؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلق إصبعه، التحليق كان للإبهام مع الوسطى يعني هكذا، فيجعل إبهامه مع الوسطى حلقة؛ لكن الأخ فهم أن التحليق هو للسبابة، فصار يعمل حلقة بشكل مستمر عليها، وبذلك أضاف قولاً جديداً أظنه محدثاً ما سبقه إليه أحد.
المهم: أن القضية كلها لا تستحمل هذا الجهد الكبير المبذول لها، أما إني لا أقول: ينبغي أن نتركها وهذه أمور لا قيمة لها، لا، هذا غلط، هي قضية من الدين وكلكم يعلم أن جبريل عندما جاء للرسول عليه الصلاة والسلام، سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، ولما انتهى، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
إذاً كل هذه الأشياء من الدين، ولا ينبغي أن نزدري شيئاً منها.
لكن ينبغي أن نعطي لكل شيء من الأهمية بقدر موقعه، فليس الاهتمام بالأصول أو بالعقائد مثل الاهتمام بالجزئيات، أو مثل الاهتمام بتفاصيل بعض العبادات، أو بالسنن التي فعلها حسن ولكن تركها لا يبطل أو يبخل بالعبادة.
بعض الذين يحولون الأصول إلى فروع، قد يتجاهلون الخلاف مع بعض الناس في قضية أصولية، ويقول: يا أخي يكفينا أننا نتفق على كذا وكذا، وبعض الشباب أيضاً عندهم حماس مفرط للوحدة الإسلامية، ويعيشون على هذا الأمل.
ولذلك الواحد منهم يتجاهل -أحياناً- خلافاً واقعاً، وهذا خطأ، فإنك عندما تجد أمامك إنساناً مريضاً، وتقول: عليَّ أن أتجاهله، ولعله أن يكون غير مريض -بحكم أنه يستطيع أن يمشي- والمرض ينخر فيه، وبعد فترة تفاجأ أن الرجل هلك ومات.
فالتجاهل ليس حلاً، فحين تعلم أن بينك وبين طائفة من الطوائف -وإن كانت منتسبة إلى الإسلام كالصوفية مثلاً، أو الرافضة أو أي طائفة أخرى- بينك وبينهم خلاف جذري أصولي لا يمكن تجاهله؛ ففي هذه الحالة لا يمكن أن أتجاهل الموضوع، وأقول: نتفق على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأنه حتى هذا في الواقع لا اتفاق عليه إلا في اللفظ فقط، لكن المعنى مختلف.
بعض الناس ربما يهدر كرامة أخيه، بسبب اختلافه معه في قضية جزئية، وربما يعمل على التنقيص منه في المجالس والدروس والمحاضرات أو في غيرها، بسبب أنه اختلف معه في مسألة.
وهنا نفرق بين كونه قد يستدرك عليه، وهذه من الأشياء التي أقول لكم: لا نضيق فيها، فمن الممكن أن أكتب وأن أقول قولاً فيرد عليه إنسان آخر؛ ويقول: إن القول الذي قلت، يبدو لي أنه مرجوح، والدليل كذا؛ فهذا ليس فيه حرج؛ لكن المهم ألا يكون عنده محاولة لإسقاط شخصية الذي يختلف معه، لمجرد أنه اختلف معه في قضية جزئية، ويهدر كرامته ومكانته وأخوته الإسلامية، وينسى الفضائل التي قد يكون تحلى بها.