أزمة فيها قولان

من الأخطاء الكبيرة أيضاً، في العصر الحاضر أننا نعيش هذه الأزمة، أزمة "فيها قولان" -إن صح التعبير- فالإنسان يفعل -مثلاً- ما يشاء، وإذا قلت له شيئاً قال: فيه قولان.

إذاً فيه قولان ماذا تعني؟ أهذان القولان لله وللرسول أم للعلماء؟! للعلماء! أما الله والرسول فلهما في كل واقعة حكم واحد، وهذا لا شك فيه قاعدة ينبغي أن تفهم، ونعتبر أنها مهمة جداً للشباب في هذا العصر، وخاصة في هذه البلاد، أن يعرف أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو أن للإسلام في كل واقعة -في كل واقعة مطلقاً- لله وللرسول فيها حكم واحد فقط وليس أكثر، وهذا الحكم يصيبه بعض العلماء ويخطئه آخرون، وقد نصب الله أمارات على الحكم وهي الأدلة حسب اجتهاد الناس.

إذاً الخلاف في مسألة: هل يجعلني أختار ما يناسبني، وأقول: فيه خلاف؟ هذا لا يصح؛ لأن معنى ذلك أن الإنسان تحلل من قيود الدين كلها، كما قال بعض السلف: لو أن إنساناً أخذ بشذوذات العلماء، لاجتمع فيه الشر كله، فكثير من العلماء الجهابذة يكون له رأي شاذ، أطبق العلماء على رده وإنكاره وأجمعوا على خلافه قبله وبعده.

أذكر لكم أمثلة على هذه الشذوذات حتى تعرفوا أهمية عدم الاستدلال بالخلاف، فعلى سبيل المثال أذكر أن أحد العلماء وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن كان يقول بأن الإنسان إذا تيمم -أي لم يجد الماء أو احتاج إلى التيمم ثم تيمم عن الوضوء للحدث الأصغر أو للجنابة أيضاً- ثم وجد الماء بعد ذلك أنه لا يلزمه استخدام الماء، بل يكتفي بالتيمم، والتيمم رفع الحدث إلى أن يحدث مرة أخرى، وهذا القول مخالف للإجماع وللنص أيضاً؛ فإن المجمع عليه عند العلماء أن الإنسان إذا تيمم ثم استطاع أن يستخدم الماء أو وجده، وجب عليه أن يمسه بشرته، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا القول شاذ جداً.

عالم آخر: قال: أن الإنسان إذا نام في المنام وبعدما استيقظ، وجد بللاً في ثيابه يدل على أنه احتلم، لكنه لم يذكر أنه احتلم إنما أثر الاحتلام واضح في ثيابه، قال: لا يجب عليه الغسل في هذه الحالة، وهذا القول شاذ يخالف إجماع العلماء ويخالف النص أيضاً، وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام: {إنما الماء من الماء} وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح -وكلا الحديثين في الصحيح أيضاً- لما سئل: {هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء} فالغسل مربوط بخروج المني سواء في يقظة أو احتلام، فإذا خرج المني وجب الغسل، هذا القول شاذ بأنه لا غسل عليه إذا لم يتذكر، لكن وجد من قال به من العلماء فإذا أراد الإنسان أن ينتقي، فيأخذ قولاً شاذاً وقولاً شاذاً أصبح الإنسان مجموعة شذوذات، وهو يدعي أنه ينتسب إلى الدين وإلى العلم.

إذاً: فعلينا أن نحذر -كل التحذير- من الاعتماد على قضية فيه خلاف، من الممكن أن تقول لي: إن المسألة هذه فيها خلاف؛ لأنني بحثت المسألة وتوصلت بالأدلة إلى أن الراجح هو ما أفعله الآن، حينئذ أقول لك: لك ذلك، فمثلاً: إنسان زوجته سافرة الوجه، فتقول: لو حجبتها أو أمرتها بالحجاب قال لك: المسألة فيها خلاف، صحيح نحن لا ننكر أنه فيها خلاف؛ ليس عندنا إشكال في هذا مطلقاً، الخلاف قائم وموجود ولا أحد يتجاهله، لكن أنا أسألك الآن: أنت عندما جعلت زوجتك سافرة هل بحثت المسألة وتوصلت إلى أن الراجح أن الحجاب غير واجب؟ فلا بأس لك ذلك، ومن حقك أن تفعل ذلك، خاصة إذا كنت في بلد لا يلزم بالحجاب، وإلا لو كنت في بلد يلزم بالحجاب، تلتزم بالبلد وأنظمة البلد، ويكون فيه مصلحة اجتماعية في ذلك، لكن بمجرد أن يكون فيه خلاف، فأنا آخذ بما أرى وما أشاء؛ فهذا غير صحيح ولا يجوز.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015