فقضايا الإجماع كثيرة جداً، حتى صنف فيها العلماء، ولعلكم تعرفون كتاب الإجماع لـ ابن المنذر وغيره من كتبه الأخرى، التي كان يحكي فيها إجماع العلماء.
ومثله كلام الحافظ ابن عبد البر والنووي وغيرهم من أهل العلم الذين يذكرون إجماع العلماء في مسائل معلومة.
إذاً ليس صحيحاً أن كل مسألة فيها خلاف، بل هناك مسائل كثيرة جداً فيها اتفاق وإجماع، إنما لا تلفت النظر.
وأضرب لذلك مثلاً واقعياً مادياً: الآن تجد في الشارع عشرات الألوف من السيارات تمشي بانتظام، والأمر في ذلك طبيعيٌ ولا أحد يلتفت إليه، لكن حين يوجد حادث صدام بين سيارتين؛ يلفت الأنظار ويتجمهر حوله الناس، وهكذا الشأن في قضية الاتفاق، فما دام العلماء متفقين على مسألة تمضي الأمور عادية، ولا أحد يلتفت إليها، لكن حين يوجد خلاف يلتفت الناس إلى هذا الأمر، فإذا تكرر ظنوا أن كل شيء فيه خلاف.
والواقع أن العلماء يوجد بينهم من الاتفاق والإجماع مثلما يوجد بينهم من الاختلاف؛ أقل أو أكثر لا أستطيع أن أحدد نسبة دقيقة، لكن المهم التأكيد على أن العلماء بينهم اتفاق في مسائل كثيرة جداً، كما يوجد بينهم خلاف في مسائل كثيرة جداً.
أحياناً الخلاف قد يمتد امتداداً طويلاً، حتى أنني أذكر -على سبيل المثال- أن الحافظ ابن حجر في كتاب فتح الباري لما ذكر ليلة القدر وأي ليلة هي، ذكر أن في المسألة نحو خمسين قولاً للعلماء، رغم أن ليالي الشهر الكريم ثلاثين ليلة، لكن الأقوال خمسين قولاً، في تحديد ما هي ليلة القدر.
ومثلاً {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] ما هي الصلاة الوسطى؟ الصلوات كلها خمس لكن أقوال العلماء في هذه المسألة أكثر من عشرة؛ لأن هناك من يقول الوسطى هي: الفجر، أو الظهر، أو العصر، أو المغرب، أو العشاء، وهناك من يقول بعدم التحديد إلى غير ذلك.