ومن بيان السنة للقرآن: أن السنة تأتي بتخصيص ما جاء عاماً في القرآن الكريم، فقد يأتي في القرآن لفظ عام فتأتي السنة فتخصصه، وذلك كما في قوله تعالى بعدما ذكر المحرمات من النساء قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24] ولكن جاء في السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تنكح المرأة على عمتها، ولا تنكح المرأة على خالتها} فلا يجوز للإنسان أن يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، هذا الحكم ليس موجوداً في القرآن، ولكنه موجود في السنة، فهو تخصيص لعموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24] .
كذلك قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267] فهذه الآية عامة تدل على وجوب الإنفاق من جميع الطيبات، لكن بينت السنة أنه ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة كما في حديث أبي سعيد في الصحيحين: {ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة} إذاً فمعنى الآية: أنفقوا من طيبات ما كسبتم، مما كان خمسة أوسق فصاعداً، أما ما كان دون خمسة أوسق فلا زكاة ولا صدقة فيه.
ومثله آيات المواريث، خصصها قوله صلى الله عليه وسلم: {نحن معاشر الأنبياء لا نورث؛ ما تركنا صدقة} فالمواريث لا تجري على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل ما تركوه وراءهم فإنه لا يرثه أقاربهم بل هو صدقة.
ومثله: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3] فقد بينت السنة أن من الميتات ما هو مباح، وهي ميتة الحوت والجراد، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عند أصحاب السنن والبيهقي وسنده صحيح موقوفاً قال: {أحل لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالجراد والحوت} .
وكذلك قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3] هذا دليل على تحريم جميع الدماء، لكن الحديث السابق نفسه دل على أن من الدماء دماء مباحة حلال، وهي الكبد والطحال.
قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:145] دلت السنة النبوية على تحريم كل ذي نابٍ من السباع، كما في الحديث في الصحيحين: {كل ذي ناب من السباع فأكله حرام} .
ومثله قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] هذه الآية دليل على إباحة جميع الزينة، فظاهر الآية يدل على إباحة جميع الزينة، لكن دلت السنة على أن هناك زينة محرمة، وهي الحرير والذهب للرجال، كما في قوله صلى الله عليه وسلم وقد خرج وبيده قطعة من الذهب وقطعة من الحرير، فقال: {هذان حرام على ذكور أمتي حلٌ لإناثها} .
والأمثلة كثيرة، لكن من خلال سرد هذه الأمثلة؛ يتبين لكم أن القرآن لا يمكن أن يستغنى به عن السنة بحال من الأحوال، وأن الاستغناء بالقرآن عن السنة ضلالٌ أي ضلال.