ومن بيان السنة للقرآن: أن السنة قد تفرع على أصلٍ ثابتٍ في القرآن الكريم، فمثلاً يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب:5] فدلت الآية على رفع الجناح - وهو الإثم والحرج- عن الإنسان فيما أخطأ به.
فجاءت السنة بأشياء كثيرة بينها النبي صلى الله عليه وسلم، تدخل تحت هذه الآية، ومن ذلك: ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله تعالى وسقاه} فكونه جعل الناسي إذا أكل أو شرب وهو صائم معذوراً يتم صومه، قد يكون مفهوماً فهمه النبي صلى الله عليه وسلم من الآية السابقة، وهذا البيان الذي ربما أكون أستطرد فيه بعض الاستطرات -بيان السنة للقرآن الكريم- كما يقولون: يضع النقاط على الحروف، بحيث لا يستطيع أحد أن يتلاعب بالقرآن الكريم إذا وجدت السنة، ولذلك كان السلف يعتمدون في جدال أهل البدع على السنة.
روى اللالكائي والدارمي عن عمر رضي الله عنه، أنه قال: [[سيأتي أناسٌ يجادلونكم بمتشابهات القرآن فجادلوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله]] فبين أن أهل البدعة سوف يجادلون بمتشابهات القرآن، وسبحان الله! هذا هو الذي وقع، فإن أهل البدع يتكئون كثيراً على عمومات موجودة في القرآن الكريم، جاء في السنة ما يبينها، أو يقيد مطلقها، أو يخصص عامها، أو ما أشبه ذلك.
ومثل ذلك: ما رواه ابن سعد في طبقاته من طريق عكرمة عن ابن عباس: [[أن علياً رضي الله عنه أرسل ابن عباس إلى الخوارج ليجادلهم، وقال له: لا تجادلهم بالقرآن؛ فإن القرآن حمَّال وجوه، ولكن جادلهم بالسنة، قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين! أنا أعلم بالقرآن منهم، إن القرآن نزل في بيوتنا.
قال علي رضي الله عنه: نعم، ولكن القرآن ذو وجوه فتقول ويقولون -أي تفسر القرآن بوجه ويفسرونه بوجه آخر- القرآن تقول ويقولون، ولكن حاجهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً]] وفعلاً ذهب إليهم ابن عباس فحاجهم بالسنة، فرجع كثيرٌ منهم عن بدعتهم.
وكذلك روى سعيد بن منصور، والبيهقي في المدخل، عن إبراهيم التيمي: أن عمر رضي الله عنه أرسل إلى ابن عباس يسأله يقول له: كيف تختلف هذه الأمة وربها واحد وكتابها واحد ونبيها واحد؟ يتعجب عمر رضي الله عنه من احتمال اختلاف الأمة مع أن ربها واحد وقرآنها ونبيها واحد.
فقال ابن عباس رضي الله عنه: [[يا أمير المؤمنين! إن القرآن نزل علينا فعلمنا فيم نزل، وسيأتي أقوام لا يعلمون فيم نزل القرآن، فيختلفون في تفسيره، فإذا اختلفوا تنازعوا، فإذا تنازعوا اقتتلوا]] .
وهذا هو الواقع اليوم! انظر كم من الناس مَنْ يفسرون القرآن الكريم، أعداد هائلة من الناس يفسرون القرآن! بل إنني ألحظ أن كثيراً من أهل البدع لهم تفاسير للقرآن الكريم، ويتكئون على القرآن الكريم، ويرفضون السنة؛ لأن القرآن أتى بأصول وقواعد وكليات عامة، يحاولون أن يفهموا منها ما شاءوا، وكم من إنسان صاحب بدعة حاول أن يستر بدعته بظاهرٍ فهمه من كتاب الله تعالى أو رد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى غير صحيح ألصقه بالقرآن الكريم! وهكذا.
فالوظيفة الأولى: أن السنة تأتي مقررةً لمعنى جاء في القرآن الكريم.
والوظيفة الثانية أن السنة تأتي مبينةً وشارحةً للقرآن الكريم!