حديث عن التوحيد

أيها الإخوة! أتيتكم وأنا فرح مسرور والحمد لله؛ لأنني سوف أحدثكم عن الله، الله الذي نحن بعض خلقه، ونحن بالقياس إلى الأكوان والأجرام والعوالم ذرة تائهة صغيرة لا نكاد نعد شيئاً، ولكن الله تعالى من علينا وتفضل وأنعم، فسخرها لنا، وميزنا بالعقل والإدراك، واختارنا للمسؤولية واختص من بيننا رسلاً تتنزل عليهم الملائكة: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75] الله الذي له كل شيء، له الدنيا والآخرة، والأرض والسماء، والإنسان والمادة، وله كل شئ: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} [الليل:13] فلله الآخرة والأولى، فإذا رضي عن العبد أعطاه بلا حساب {إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37] .

الله الذي سنقدم عليه وسنلقاه وسنلاقيه وسيحادثنا ويحاضرنا سبحانه {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ} [البقرة:223] {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الإنشقاق:6] فأي شيء أعظم وألزم وأهم من التعرف إليه، والثناء عليه، والكلام عنه، والتمدح بصفاته، والتحبب له، إننا حين نتحدث مثلاً عن عبادةٍ من العبادات كما تحدثنا مرةً عن الصلاة، وأخرى عن الصيام، وثالثةً عن الحج، فإنما هذه الأعمال والعبادات لا تعدو أن تكون وسائل وأسباباً وذرائع لتحصيل مرضاة الله تعالى، وإدراك عفوه، والفوز بكرامته.

وحين نتحدث عن الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن الدعوة إلى الله تعالى، فإنما نتحدث عن بعض آثار التوحيد، التي تقع من الموحدين المؤمنين، العارفين بالله تعالى، العالمين بأسمائه وصفاته، العابدين له، الذين يعملون لله لا للناس، ويجاهدون في سبيله لتكون كلمته هي العليا، فيحبون في الله، ويبغضون في الله، ويوالون في الله، ويعادون في الله، ويعملون لله، ويتركون لله.

ألا في الله لا في الناس شالت بداودٍ وإخوته الجذوع مضوا قتلاً وتمزيقاً وصلباً تحوّم حولهم طيرٌ وقوع إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهمُ ركوع أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع لهم تحت الظلام وهم سجودٌ أنينٌ منه تنفجر الضلوع وخرسٌ بالنهار لطول صمتٍ عليهم من سكينتهم خشوع يعالون النحيب إليه شوقاً وإن خفضوا فربهمُ سميع وحين نتحدث عن جوانب من الخلل في الحياة الإسلامية، في الواقع السياسي، أو الأخلاقي، أو العبادي، أو الإعلامي، أو الاقتصادي، أو التعليمي، فإنما نتحدث عن ترسيخ قاعدة التوحيد الشاملة، والدينونة لله تعالى في كل الأمور {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [آل عمران:119] .

ونتحدث عن منابذة طريق المغضوب عليهم والضالين، وأهل الشرك والتجزئة، الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، والذين جعلوا القرآن عضين، فليس التوحيد نصاً يقرأ ولا منهجاً يدرّس فحسب، ولا درساً يلقى فقط، ولا جانباً من جوانب العقل أو القلب مقطوعاً عما سواه وما عداه، بل التوحيد منهج يهيمن على الحياة كلها، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة.

فما من طاعة من الطاعات إلا وهى تزيد في التوحيد وتكمله، وما من معصية صغرت أو كبرت إلا وهى تخدش التوحيد وتنقصه وتنافيه أو تنافى كماله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015