نلحظ قضية أخرى وهي: في موضوع التخصص، وإذا كان السلف على ما وصفت فإننا نلحظ أن التخصص أخذ بعداً آخر في هذا العصر، فنجد الطالب أحياناً قد يتخصص في سن مبكرة حتى إنهم الآن أوجدوا التخصص حتى على مستوى المدارس الثانوية، فقد يتخصص الطالب في المرحلة الثانوية أحياناً في علوم شرعية أو علوم لغة عربية أو في غيرها، ثم إذا انتقل إلى الجامعة استمر في تخصصه نفسه.
وقد نفترض أن إنساناً أنهى أعلى المراحل الدراسية في تخصص معين كالفقه مثلاً ماذا سيكون؟ ربما يأخذ في المدرسة الثانوية قولاً واحداً هو المشهور من المذهب في بعض المسائل دون بعض وهو موزع على سنوات، ويختلف تحصيله بحسب جودة الأستاذ وجودة ذهن الطالب وإمكانياته، وهناك ظروف كثيرة تؤثر في التحصيل.
ينتقل إلى كلية الشريعة مثلاً فيقرأ في كتاب ككتاب الروض المربع شرح زاد المستقنع، وحينئذٍ يكون الطالب أيضاً أخذ قولاً في المذهب ومعه دليله في أحيان وتعليله في أحيان أخرى، وينتهي من الكلية بهذه الصفة، وإذا تخصص في مرحلة الماجستير أخذ موضوعاً واحداً، ولنفترض مثلاً أنه بحث في موضوع أحكام الطهارة في الماجستير، وجمع الأقوال المختلفة وقارن بينها، وجمع الأدلة وخرج منها بنتائج محددة، ولكنها تبقى في موضوع واحد، ثم انتقل إلى ما يسمى بمرحلة الدكتوراة، فكذلك تخصص في موضوع واحد آخر، وليكن لا أقول الصلاة لأنه لا يمكن أن يأخذ دكتوراه في موضوع الصلاة كلها، لكن يأخذها في جزء مثلاً: في صلاة النوافل، أو في أحكام المسافر، أو في أحكام المريض، أو في أحكام الإمام وما أشبه ذلك.
يبقى الطالب فيما سوى ذلك من العلوم أشبه بالأمي! فهذه من سلبيات التخصص المبكر، خاصة من الإنسان الذي لا يجد في نفسه رغبة شخصية في متابعة العلم وتحصيله، وإلا فالذي يجد الرغبة والهمة والإقبال سوف يُحَصِّلُ -بإذن الله- العلم، حتى لو لم يتخرج من الجامعة وحتى لو لم يحصل على شهادة، إنما الكلام في جمهور المتفقهين والقراء وهم الذين يسلكون هذا الطريق الذي أشرت إليه.