وأخيراً فإن من الميزات الواضحة لهم على غيرهم: أنهم رضي الله عنهم كانوا يجدون القدوة الصالحة في هذا السبيل، والقدوة كلما تقدم الزمن تضعف.
فالجيل الأول كانوا يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم، والجيل الثاني على جلالة أقدارهم وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ثناء الله تبارك وتعالى عليهم كانوا يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الأشخاص الذين عايشوهم وأخذوا عنهم كانوا من الصحابة، كـ معاذ بن جبل وابن مسعود وعمر بن الخطاب وفلان وفلان، الجيل الثالث كان مشايخهم من التابعين … وهكذا، فكلما تقدم الزمن ضعفت القدوة.
ولذلك ذكر الإمام الذهبي في التذكرة قول بعضهم: " إن الإمام أبا داود صاحب السنن كان أكثر الناس شبهاً بالإمام أحمد، والإمام أحمد كان أكثر الناس شبهاً بـ وكيع، ووكيع كان أكثر الناس شبهاً بـ سفيان، وسفيان كان أكثر الناس شبهاً بـ منصور، ومنصور كان أكثر الناس شبهاً بـ إبراهيم، وإبراهيم كان أكثر الناس شبهاً بـ علقمة، وعلقمة كان أكثر الناس شبهاً بـ عبد الله " يعني ابن مسعود رضي الله عنه.
إذاً: كلما تقدم الزمن ضعفت القدوة، فكانوا يجدون في واقع حياتهم قدوةً حسنة في الدأب في تحصيل العلم، وفي العمل، وفي تحمل المشاق والصعاب وغير ذلك، وهذه لا تزال موجودة ولكنها لاشك ليست كما كانت موجودة عندهم، لا من حيث الكم والعدد ولا من حيث الكيف، فهذه مقارنة عامة لا أقول إنها مستوعبة لكل الفروق بين هؤلاء وأولئك لكنها إشارة إلى بعض الجوانب التي تحضرني الآن.