مقدمة عن منزلة العالم وصفاته

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

العالم: هو من خير البرية ويتبوأ منزلة دونها منازل الناس أجمعين، كما ذكر الله تعالى في كتابه، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] و {العلماء هم ورثة الأنبياء} وإنما يقصد بالعالم في هذا، العالم بالشرع أصوله وفروعه، أما غيرها من العلوم الدنيوية فليس لها هذا الشرف مهما يكن نفعها ومهما تكن ثمرتها.

وقد كان علماء هذه الأمة من السلف الصالح رضي الله عنهم ترجمة واقعية حقة لما كان الإسلام يريده من العالم، في مظهره ومخبره في علمه وعمله ودعوته وسائر تقلباته.

وكلما تقادم العهد بهذه الأمة، وبعدت عن المنابع الأصلية، وطال عليها الأمد، ضعف هذا الأمر، وقل العلماء العاملون المخلصون، وبهتت الصورة التي كان عليها العالم المسلم في عهود السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين.

ولذلك تحتاج الأمة بين كل آونة وأخرى إلى أن تستعيد صورة ما كان عليه أولئك العلماء، ليكون ذلك حافزاً لها على السير على خطاهم وتقفي آثارهم.

ولا شك أن الصورة المثالية للعالم التي جاءت في القرآن والسنة بشكل نظري، وطبقت في واقع الحياة في العصور الأولى بشكل عملي، هذه الصورة المتكاملة لاشك أن مقاييسها بالصورة الحالية لطلاب العلم أمر يطول، فإن الفرق ليس محصوراً في جانب واحد حتى يمكن استقصاؤه والحديث عنه، بل الفرق في المنهج، في طريقة التعلم، والتعليم في الأسلوب، وفي الهيئة الظاهرة والباطنة وفي كل شيء،؛ولهذا فإنني سوف اقتصر في هذه الدقائق على الحديث عن ثلاثة جوانب مع بيان الفرق فيها بين ما كان عليه علماء السلف الصالح وما آل إليه الأمر في هذا الزمان، وهذه الجوانب الثلاثة هي: الجانب الأول: فيما يتعلق بموضوع المواصلة في طلب العلم.

والجانب الثاني: ما يتعلق بموضوع التأثر بالعلم والعمل به.

والجانب الثالث: فيما يتعلق بموضوع القوة في الحق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015