هناك عقبة إضافية وهي: عقبة العادة.
أن تكون عادات الإنسان عادات سيئة، كما يشتكي الكثيرون -مثلاً- مما يسمونه بالعادة السرية، قد تصبح المعصية عادة أياً كانت، اعتاد الإنسان التدخين أو شرب المسكر أو السفر أو ممارسة الحرام، أحياناً يمارسها لمجرد العادة دون أن يجد لها لذة، ودون أن تتطلع نفسه إليها إلا لمجرد أنه إذا وجد وقت فراغ، انصرف تلقائياً إليها، الذي تعود على المعاكسات الهاتفية، في كل وقت فراغ يجد أمامه جهازه يحركه دون أن يوجد هناك أي دافع إضافي إلا دافع العادة فحسب، أما اللذة فقد ذهبت مع المكالمات الأولى أو مع الاتصالات الأولى.
فهذه الأشياء كما قيل: أولها لعب وآخرها عطب.
وبالمقابل أصبح الإنسان لا يجد -بسبب عاداته السيئة أو المحرمة- أصبح لا يجد رغبة نفسية مثلاً في الصلاة، وربما يضيق بالأذان، وربما يذكره ذلك بشيء يريد هو أن ينساه، أو يشعره بالذنب وينغص عليه لذته العابرة التي يقضيها الآن، أو يجعله يقارن نفسه بتلك الفئة الملتزمة المهتدية من الأخيار والصالحين، ولا يجد أدنى دافع يفتح المصحف أو يقرأ شيئاً من القرآن؛ مع أن القرآن علاج وشفاء، كما قال الله جل وتعالى: {هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت:44] {مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57] .
الوحشة من الطاعة وأهلها؛ من أعظم آثار الذنب والمعصية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {الخير عادة} من الممكن أن يكون الخير هو العادة التي تدرب نفسك عليها، فتعتاد على أداء الصلاة في أوقاتها، أو قراءة الورد اليومي صباحاً ومساءً، أو المحافظة على السنن الرواتب والوتر أو سنة الضحى، أو سماع الأشرطة أو قراءة الكتب، أو ملازمة حلقة القرآن والذكر؛ بحيث تكون هذه عادة لك تنزعج لتركها.
ولهذا لما ذكر الله تعالى المنافقين قال: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الحديد:13-14] .
إذاً الفتنة جاءتك من الداخل {فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} [الحديد:14] تربصتم: أي انتظرتم وقلتم العمر طويل، نحن شباب، إذا كنا مثل فلان وفلان في السن نتوب إن شاء الله، هذا هو التربص.
{وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد:14-15] .