وإذا كان أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم، أعداء خارجيين يسهل التحرز منهم وكل إنسان يدرك عداوتهم، فإن هؤلاء الأعداء أدركوا بعد قرون من صراعهم مع الإسلام، أدركوا، كما قال أحدهم: " إن شجرة الإسلام لا يمكن أن تجتث إلا بغصن من غصونها" أي أن المهمات التي يريدون تحقيقها في المجتمع الإسلامي في عالم المرأة وغيره لا يمكن أن تتحقق فعلاً إلا إذا وجد من المحسوبين على الإسلام من ينادي بها ويطالب بها ولذلك عملوا على تربية أجيال من الجنسين من الرجال، ومن النساء تربية خاصة، فرضع هؤلاء ألبان الغرب وأشربوا حبه وحب ما جاء به من آراء وأفكار ونظريات، وصاروا في بلاد المسلمين طابوراً خامساً ينادي بما ينادي به الغربيون، من الدعوة إلى تحرير المرأة كما يزعمون، أو إلى خروج المرأة للعمل، أو إلى تحريك نصف المجتمع المعطل، أو إلى غير ذلك من الشعارات التي يتشدقون بها بألسنتهم، والواقع أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، بل هؤلاء أصحاب شهوات ونزوات، يسعون لتحقيقها، فهم يريدون أن تكون المرأة متعة على قارعة الطريق، وقد كشف الله عز وجل مقاصدهم في كتابه فقال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] .
وقد أصبحت حال المرأة مع هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يطالبون بحقوقها وهم في الواقع يسعون إلى تكبيلها، وجعلها في موقع العبودية للرجل، وكل همها أن تسعى إلى كسب إعجابه بكل وسيلة، حال هؤلاء القوم مع المرأة، يذكرنا بالخبر الطريف، الذي ذكره الأستاذ العقاد في أحد كتبه حينما قال: "إن المندوب البريطاني في مصر كان إذا أراد أن يسجن رجلاً أو يعاقبه، أرسل إليه خطاباً وختم هذا الخطاب بقوله خادمكم المطيع فلان" هو يدعوه إلى السجن أو التعذيب، ومع ذلك يوقع باسم "خادمكم المطيع فلان".
فهكذا هؤلاء الأدعياء، الذين يزعمون أنهم محامون عن المرأة، وهم في الواقع طلاب شهوات، يريدون أن يستمتعوا بالمرأة بلا قيد ولا شرط.
إن الرجل المستعمر استعماراً عقلياً، والذي تعشش في فكره وخياله النظريات الغربية الكافرة، لا يستطيع أن يفهم معنى حرية المرأة في الإسلام، وهذا الأمر الخطير، هو الذي يحذرنا منه أحد الشعراء الإسلاميين، في قصيدة يخاطب بها المرأة المسلمة، يقول: أيتها المرأة كُفِّي من دلالك واسمعي النصح يجنبك المهالك ذلك العُري الذي آثرته رجعة للغاب لو تدرين ذلك خَلْفه أيدي الكواهين التي لا يروي غلها غير اغتيالك ثم يقول وهو يصف بالضبط خطورة انحراف المرأة: قد دَرَت أنكِ معيار القوى فإذا اختل هوى الخزي بآلك وقديماً يئسوا من قهرنا حينما أعياهم لمح خيالك غير أن الذل قد أرهقنا منذ أن خضت بنا تلك المسالك فمتى العود إلى الله وقد وضح الدرب ولا عذر لهالك أيها الإخوة إن المرأة المسلمة في هذا الزمان، وفى كل زمان، مُطالبة بتحقيق معنى كونها امرأة، مُطالبة بأن تؤمن بأنها خلقت امرأة فعلاً ولم تخلق رجلاً، وأن تدرك أن كمالها وجمالها وقوتها وسعادتها، ليست في محاولة التخلص من طبيعتها، ومحاكاة الرجال في طبائعهم، بل إن قوتها وسعادتها وكمالها، تكمن في تحقيقها لطبيعتها البشرية التي جُبلت عليها.