{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين:1-2] الإشارة إلى هذا البلد الذي فيه تقطنون، وإليه يحن المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، قصبة الإسلام، وعاصمة التوحيد، ومهبط الوحي، ومنطلق الرسالة.
وطأت أرضها أقدام المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشهدت تربتها البداية الأولى لدعوة الإسلام العظيمة، التي اكتسحت البلاد كلها شرقاً وغربا.
فيقسم الله تبارك وتعالى بها، ويسميها البلد الأمين، كما سماها أم القرى: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ} [الشورى:7] ومن حولها كل بلاد الإسلام، قرى تحن إلى هذه القصبة العظيمة والعاصمة الكريمة قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:96-97] .
بلادي كل أرضٍ ضجَّ فيها نداء الحق صداحاً مغنى ودوي ثمَّ بالسبع المثاني شباب كان للإسلام حصنا تمنيت الحجاز أكون فيه فأعطى الله قلبي ما تمنى سقى الله الحجاز وساكنيه وأمطر كل ساقية ومغنى أخي إن زرت بيت الله تبغي رضاً أو تشتكي هماً وحزنا ففي تلك الرحاب عظيم أنسٍ لناءٍ إن دعاه الشوق حنا لطيبة يأرز الإيمان حباً ويشتاق لها القلب المعنى لحى الله اليهود فما أقاموا لعهد الله في المحراب وزنا ترى القدس الحزين لنا ينادي وما من سامعٍ قد هب منا ينادي المغرب المقدام مصراً ويدعو القدس لبنان المعنى ويهوى القلب شهباء المعالي وفي بغداد للإسلام معنى إذا كابول آذتها جراح ففي صنعاء إخوان المثنى ثم يقول الله عز وجل: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [التين:5-6] وهذه الآية ذات علاقة وثيقة بموضوع الحديث إليكم هذه الليلة، فإن الله تعالى حكم على الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم، بأنه يرد إلى أسفل سافلين، انحرافاً وظلالاً وضياعاً وتيهاً، ويستثنى من ذلك طائفة قليلة هم الذين آمنوا، قال الله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} [الأعراف:179] .
وفي صحيح مسلم: {يقول الله: يا آدم أخرج بعث النار.
قال: يا ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحدٌُ إلى الجنة} والعادة على جاري اللغة ومقتضى الفصاحة والبلاغة والبيان، أن المستثنى يكون أقل من المستثنى منه، فأنت تقول مثلاً: عندي لك عشرة إلا واحد، لكن ما تقل عندي لك عشرة إلا تسعة، وهكذا قوله -تعالى- هنا: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [التين:5] هو دليل على إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات قليل: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] أما البقية فرُدوا إلى أسفل سافلين.