رابعاً: من خصائص سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بقاء دلائل نبوته، فقد أعطى الله كل نبي من الأنبياء أموراً خارقة للعادة تؤكد نبوتهم، وتدعو الناس للإيمان بهم وبرسالتهم، والتصديق بما جاءوا به من عند الله، فأعطى الله تعالى صالحاً الناقة، وسخر مع داود الجبال يسبحن والطير، ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر، وآتى موسى تسع آيات بينات، آمن السحرة حين رأوا بعضها، ومكن عيسى عليه السلام من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله تعالى، إلى غير ذلك من دلائل النبوة.
لكن هذه الآيات كانت وقتية ذهبت آثارها مع الذين رأوها، ولم تبق الآيات شاهداً حياً تراه الأجيال المتلاحقة كدليل على نبوة هؤلاء المرسلين، هذا في حق أنبياء الله ورسله السابقين.
أما في حق النبي صلى الله عليه وسلم فالأمر مختلف جداً؛ فقد كان من أعظم دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، بل هو المعجزة الخالدة لهذا النبي العظيم، والقرآن شاهد حي منذ نزل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وعلى الرغم من محاولات التحريف والتأويل التي تعاقبت عليها أيدي البشر جيلاً بعد جيل، فما يزال كتاب الله يتحدى البشر، بل ويعترفون بتحديهم وعجزهم عن التحريف فيه.
فهذا القرآن معجز ودليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لما يحويه من آيات الإعجاز العقلية والعلمية، فضلاً عن إخباره عن الأمم الغابرة، وحديثه عن المغيبات، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: {ما من نبي إلا وقد أوتي ما على مثله آمن البشر، أما الذي أوتيته أنا فهو وحي من السماء} كما روى ذلك البخاري في صحيحه.
ولهذا فمن يقرأ القرآن الكريم في زماننا هذا يدرك كما أدرك من سبقه، أن هذا القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من عند محمد صلى الله عليه وسلم بل هو من عند الله، هذا فضلاً عن دلائل نبوته الأخرى، كالإسراء والمعراج وانشقاق القمر وحنين الجذع ونحوها، وإنما أكدت على القرآن الكريم لبقائه معجزاً إلى هذا اليوم، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.