لقد كان الناس قبل بعثته عليه الصلاة والسلام يعيشون في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، وكان أكثر الأنبياء في أقوامهم كرؤيا جميلة في نوم طال أمده، أو كومضة برق في ليل حالك ظلامه.
وإذا كان ذلكم في سائر الأنبياء، فإن الأمر بالنسبة لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أولى وأحرى، لقد كان أتباع الأنبياء عليهم السلام أو على الأقل معظم أنبياء الله تعالى كان أتباعهم آحاداً! آحاداً من الناس ينقرضون بعد جيل أو جيلين، وما أن انتصف القرن السادس الميلادي -وهو الذي بُعِثَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم- حتى كانت شقوة الجاهلية تلف العالم بأسره، وتسقيه كئوس الظلم والتخلف والوثنية، لقد أُطْفِئَتْ مشاعل التوحيد، وعمَّ الفساد إلى كل واد، ولجأ الحنيفيون الذين بقوا متمسكين بالحنيفية الإبراهيمية إلى الكهوف وإلى قمم الجبال، ليس لشيء إلا فراراً بدينهم، واستبقاءً على ما بقي لديهم من حنيفية يستضيئون بنورها ويتعبدون على منوالها.