الهم الثاني: هو أين يدفن عمر رضي الله! عاش أمير المؤمنين سنين طويلة في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقاسى معه في مكة ثم في المدينة، وخرج معه في مغازيه كلها، وكان قلبه مع قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم في منتهى الصفاء والقرب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه ويحب أبا بكر، ويقول: هذان السمع والبصر، فكان النبي صلى الله وسلم حبيب عمر وصفيُّه، وكذلك كان أبو بكر، فخشي عمر أن تفترق بينهم القبور، ولذلك قال لابنه عبد الله: اذهب إلى عائشة، فقل لها: يستأذن عليك عمر بن الخطاب اسمٌ مجرد غير مسبوقٍ بألفاظٍ رنانةٍ فخمة اسمٌ مجرد ينتسب إلى عمر بن الخطاب، ولا تقل لها يسلم أو يستأذن عليك أمير المؤمنين، فإنني لست للمؤمنين اليوم بأمير انتهى عهد خلافته، لا يظل طيلة عمره يسمى به ثم يلحقه هذا الاسم طيلة الدهر، لا فإنني لست للمؤمنين اليوم بأمير -وقل لها يستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فإن أذنت وإلا فادفنوني مع المسلمين، فيذهب عبد الله بن عمر إليها ثم يعود، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله أقبل، فقال: أسندوني أقعدوني -من شدة الشوق في قلب عمر إلى أن يدفن إلى جوار صاحبيه ببيت جعلته يتطلع إلى هذا الخبر، حتى يقول: أسندوني- فيسندونه فيقول لابنه متلهفاً: ما وراءك؟ قال: أذنت يا أمير المؤمنين.
قال: إذا مت فمروا بي من عند حجرتها، فإن أذنت لي وإلا فادفنوني مع المسلمين، لأنه يخشى أن تكون أذنت مجاملةً له أو سمعاً وطاعةً له، فلذلك يطلب أن يستأذنوا منها مرةً أخرى بعد موته رضي الله عنه وأرضاه، هذا هو الهم الآخر وقد سري عنه، وفرح أيما فرح حينما سمع بإذن أم المؤمنين له أن يدفن إلى جوار صاحبيه.