لا يكلف الله نفسها

كما أن من الأعذار أنه قد يكون هذا الشخص معذور بينه وبين الله عز وجل فقد لا يستطيع، وهل من شرط العالم أن يكون شجاعاً؟ ليس بشرط، بل قد يكون هذا العالم -وجزاه الله خيراً- أشغل نفسه بطلب العلم، وبذل ما استطاع، لكن فيه ناحية ضعف فطري جبلي لا سبيل له عليها، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] .

هذا في جانب الاعتذار.

لكن حذار حذار أيها الإخوة أن تكون هذه الأعذار وسيلة للقعود بهذه الحجة، فقد يقعد الواحد منا مثلاً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح والاختلاط بالناس، بقصد توجيههم بحجة أنني مشغول بطلب العلم، أو بحجة أنني مفطور على شيء من حب العزلة، أو بحجة أنني جبان لا أستطيع أن آمر وأنهى، خاصة إذا كنت في ملأ من الناس، لا.

بل يجب أن يكون للإنسان ميزانان: ميزان فيما يتعلق بنفسه، وميزان فيما يتعلق بالناس، وانظر إلى قول الله -عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ * يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:1-6] فالله عز وجل توعد المطففين بالويل، ووصفهم بأنهم المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون.

فإذا كان الكيل لهم أخذوا حقهم وافياً، وإذا كان الكيل عليهم للناس بخسوا ونقصوا، والله عز وجل أمرنا بتجنب مشابهة أهل السوء واللعنة، فإذا أردت أن لا تكون من المطففين بوجه من الوجوه، فعليك أن تتجنب مشابهتهم في الحالين: فإذا كان الحق لك فاحرص على أن لا تأخذه مستوفى، وإن تفضل منه فضلاً، وإذا كان الحق عليك، فاحرص على أن تعطيه كاملاً بل أن تزيد وتتفضل، وهكذا الشأن في هذه القضايا المعنوية، كقضية القيام بالواجبات الشرعية، فإذا أردت أن تقوم أو تقيم الناس فلا تصف فلاناً بأنه مقصر، وفلاناً لم يقم بالواجب، بل عليك أن تبحث له عن عذر، لأن هذا من مخالفة المطففين أن تعذر الناس إذا كان لهم أعذار ظاهرة غير متكلفة.

أما إذا كان الحق عليك، فعليك أن تعامل نفسك بالميزان الأقوى، فتطلب من نفسك أن تقوم بالواجب أمراً ونهياً وإصلاحاً، ولا تسمح لهذه الأعذار بالتسلل إليك.

هذه تعليقة خفيفة على ما سبق، أما بقية الموضوع فسأتعرض له إن شاء الله في الأسبوع التالي والذي بعده إن كان في العمر بقية، فسوف أعرض فيهما العزلة، وفضائلها، وغوائلها، والخلطة، وفضائلها، وغوائلها، مع ذكر بعض النصوص والأحاديث والقصص في ذلك، وأذكر في نهاية تينك الحلقتين المذهب الصحيح المختار الملائم لطالب العلم في الاختلاط بالناس.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك، وصلى الله وسلم على عبده ورسله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015