فيا أحبتي! أين الداعية الذي يكون في قلبه هذا الهم والحرص على هداية الناس؟! أين الداعية الذي يحتاج دائماً وأبداً إلى التثبيت والتصبر والتهدئة: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127] إلى غير ذلك مما صبَّر الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
فلذلك أقول: كان لا بد من تصحيح مسار بعض الإخوة المجتهدين من الدعاة الذين يتجاهلون الآخرين، خاصة في هذا العصر الذي ضعف فيه رصيد الإيمان في نفوس الناس، وكثر فيه أعداء الدعوة ومناوئوها والمتربصون بها، الذين يبحثون عن أدنى زلة أو سقطة من داعية حتى يعتبروها مجالاً للطعن في الجميع.
بل لا يبحثون عن زلة أو ينتظرون سقطة، بل إنهم يأتون إلى أفعال الدعاة والمخلصين التي هي صواب لا خطأ فيها، فيحاولون أن يلبسوها ثوب الخطأ، وأن يعطوها غير ما هي له؛ حتى يشوهوا صورتهم وسمعتهم في نفوس الناس.
أيها الأحبة ألا تعتقدون أنه من المحزن حقاً أن هذه الأمة التي يقول أكثر المنتسبين إليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويحبون الله بقلوبهم، ويحبون الرسول صلى الله عليه وسلم بقلوبهم؛ ومع ذلك حيل بين هذه الأمة وبين دعاتها الصادقين في كثير من البلاد، فصارت الأمة تسيء الظن بدعاتها في بلاد كثيرة، وتنظر إليهم شزراً، وتعتقد أنهم من الغلاة، أو أنهم من المتطرفين، أو أنهم من المخربين المفسدين على وفق ما أراد لها العلمانيون، وعلى وفق ما خططوا لها.
فحالوا بين الأمة وبين دعاتها الصادقين، حالوا بين الأمة وبين رجالات الإسلام المخلصين، وحينئذٍ صار المثل كما قيل: خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقّري ما شئت أن تنقري فخلا الجو للمنافقين من العلمانيين وأعداء الإسلام، وعبثوا بهذه الأمة بعد ما حالوا بينها وبين الدعاة إلى الله عز وجل.
ولذلك كان العنوان السابق لهذه المحاضرة -كما ذكرت- وجوب تصحيح المسار.