تعريف الغربة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أيها الإخوة: عنوان هذه الكلمة هو (المسلم بين غربتين) وفي نهاية الكلمة أحب أن أسمع من بعض إخواني تحليلاً صحيحاً لهذا العنوان، يبين لنا ما هو المقصود بهاتين الغربتين المذكورتين في العنوان.

فأما الغربة فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قد بين لنا في أحاديث كثيرة -ثلاثة وعشرين حديثاً أو تزيد على ذلك- أن الإسلام بدأ في أول أمره غريباً، وأنه سيعود في آخر أمره غريباً كما بدأ أول مرة، حتى إن من العلماء من قال: إن الإسلام سينتهي برجل واحد، كما ابتدأ برجل واحد وهو محمد صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة والمقصود بالغربة في هذا الحديث؛ هو بعض معانيها اللغوية، فإن العرب يطلقون الغربة على عدة معانٍ: فيطلقون الغربة على معنى الخفاء والغموض، ومنه قول بعض العلماء؛ أو تسميتهم للألفاظ ذات الدلالة غير الواضحة، في الأحاديث النبوية: غريب الحديث.

فالمقصود بالغريب هنا، هو: اللفظ الذي يوجد في معناه غموض وخفاء ويحتاج إلى كشف وبيان؛ هذا معنىً من معاني الغربة.

المعنى الثاني: من معاني الغربة هو: معنى النزوح والخروج عن الوطن، ومن ذلك قول الشاعر: وما كان غض الطرف منا سجية ولكننا في مدحج الغربان أي: غريبان، فهما قد نزحا عن وطنهما.

ومن معاني الغربة أيضاً: أن يوجد الإنسان بين قوم غير قومه، وفي بلد غير بلده، وأهل غير أهله، فهو بينهم غريب؛ لأنهم لهم حال وله حال إلى معان أخرى كثيرة.

وكل هذه المعاني متحققة في معنى غربة المسلم، فالمسلم غريب بمعنى أنه قد نزح عن وطنه وخرج عنه، إذ أن الإنسان إذا خلف في القوم الذين يقتدي بهم، شعر بالغربة، ولذلك كان الإمام أحمد رحمه الله يتمثل بقول الشاعر: إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهمُ وكلفت في قرن فأنت غريب والمسلم غريب أيضاً، بمعنى أن الناس من حوله في العموم، مخالفون لما هو عليه، عقيدة وسلوكاً ومنهجاً، ولذلك يشعر بينهم بالغربة، بمعنى المخالفة لما هم عليه.

وكذلك المسلم يشعر بالغربة، بمعنى الغموض والاستخفاء؛ لأنه يجد في كثير من الأحيان أن المكانة والحظوة والشهرة والسمعة، هي لغير المتقين، وغير الصالحين من أهل الرياضة، أو أهل الفن، أو المال، أو الجاه أو غيرهم.

هذه بإجمال بعض مشاعر الغربة، التي تنطلق من المعنى اللغوي لهذه الكلمة، وتنطبق على المعنى الشرعي لها، ويوافقها واقع المسلم في كل زمان وفي كل مكان.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى إشارة مجملة بقوله: {بدأ الإسلام غريباً} فأشار إلى أن هذا الدين بدأ غريباً، والغربة هنا تعني غربة الإسلام في أول مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015