سبل التعليم للربانيين لابد أن يراعى فيها أن يكونوا ربانيين، أي يربون الناس بالعلم، يراعون في ذلك التدرج في العلم فلا ينقلون الإنسان طفرات تجعله غير منضبط في علمه وفي تعليمه.
ثانياً: يراعون التربية فليس العلم هو مجرد حقن الذهن بالمعلومات، فقد تجد إنساناً هو كالبحر في معلوماته لكن شخصيته، لم تصغ صياغة سليمة، لم يكن فيها الانضباط، لم يكن فيها التوازن، لم يكن فيها العمل، لم يكن فيها الأدب، ولم يكن فيها التعقل، ولم يكن فيها الجهاد، فيكون علمه حجة عليه؛ لأنه يغتر بهذا العلم، ويغتر الناس بهذا العلم لأنه إذا تكلم في المسائل أجاد وأفاد، لكن ينسون أن هذا العلم لم يصحبه عقل كبير، ونور وبصيرة، وتربية ومراعاة للأحوال.
ثالثاً: بذل العلم للعامة بسهولة العبارة ووضوحها؛ لأن المقصود ليس التقعر بالقول، وليس إظهار القدرة على الناس، وإنما المقصود تبليغ السامع؛ ولذلك ربنا عز وجل قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] المقصود أن يصل العلم إليه، وليس المقصود شيئاً آخر، ولهذا الإمام الشاطبي -رحمه الله- يقول: وبهذا كان السلف الصالح يعملون في تبليغ الشريعة للمؤالف والمخالف، ومن نظر في استدلالهم على إثبات الأحكام التكليفية، علم أنهم قصدوا أقصر الطرق وأقربها إلى عقول المخاطبين والطالبين من غير ترتيب متكلف ولا نظم مؤلف؛ بل كانوا يرمون بالكلام على عواهله ولا يبالون كيف وقع الكلام في ترتيبه إذا كان سهل المأخذ قريب الملتمس.
فتراعي إذاً التبسيط والتيسير والتسهيل، وليس بالضروري أن ترتب، على شكل ونقاط، ومسائل، وقيل وقال، المهم أن يصل الحق إلى الناس ولو بأقرب طريق، ولا يمنع أن الإنسان يخص أقواماً بمزيد من العناية والترتيب والتبويب لأنهم مثلاً طلبة علم، أو مختصون أو ما أشبه ذلك، ولذلك يختص الخطيب بضرورة تسهيل العلم للناس، ومثله من يخاطب الجماهير.
قال ابن قتيبة رحمه الله: "ينبغي أن يكون الخطيب رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، يتخير اللفظ، ولا يدقق في المعاني كل التدقيق، ولا ينقح الألفاظ كل التنقيح"، يكون في كلامه إجمال وعموم يتناسب مع عقول المستمعين.
هذا وقد أطلت عليكم فأعتذر إليكم، وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا المجلس في ميزان أعمالنا وحسناتنا.