Q ما هو علاج مَن ابتُلِيَ بالعشق؟
صلى الله عليه وسلم -لا شك- هذه بلوى عظيمة، والشيطان يحارب الإنسان على كل ميدان، لكن إذا كان الشيطان يحارب الإنسان في سائر الميادين فإنه مثل العدو الخارج يدافعه الإنسان، فينتصر عليه مرة، وينهزم أخرى، وهكذا، والدهر دول، لكن ما بالكم ببلد محصَّن جاء العدو فاقتحم هذه الحصون، ودخل في الشوارع، وصار أهل البلد يقاتلونه في الشوارع، الأمل حينئذ في الانتصار ضعيف جداً، ويتطلب مزيداً من المقاومة، وأنا لا أقول: هذا أمر ميئوس من شفائه، لكنني أقول: يتطلب مزيداً من المقاومة.
فالأمر الأول الذي يجب التنبيه إليه: هو: أن يسأل -أصلاً- لماذا وقع الإنسان في هذا العشق؟ وقع في العشق؛ لأنه يتطلع، ولإنه كثير الأماني والأحلام، يطلق بصره في الحرام، وكما يقول الشاعر: كل الحوادث مبداها من النَّظَرِ ومعظمُ النار مِن مستصغَر الشَّرَرِ كم نظرةٍ فَتَكَتْ في قلب صاحبها فَتْكَ السهامِ بِلا قوسٍ ولا وَتَرَ يَسُرُّ مقلتَه ما ضَرَّ مهجتَه لا مرحباً بسرور جاء بالضَّرَرِ فالإنسان إذا نظر ربما يترتب على هذه النظرة الحرام، أن تقع هذه الصورة في قلبه، فيقع في عشق الصور والعياذ بالله، ولا نقول: هذه قضية روحية! أبداً، فالإنسان يعشق الصورة الجميلة، وكما قال بعض الأدباء: أرأيتم العشاق المعروفين في التاريخ، والذين يذكرهم الأدباء وسواهم، لو أن الفتاة أو المرأة التي عشقوها أصيبت -مثلاً- بالجدري أو غيره من الأمراض التي شوهتها، فهل ترى كان يقع منه هذا العشق؟ الجواب: لا، فالعشق مربوط بالنظر، والإعجاب لكل حال، فالإنسان عليه أن يصون بصره عما حرم الله، وهذا يؤكد لك فضل الإسلام حين حسم القضية من أصلها، فمنع النظرة الحرام؛ لأن النظرة الحرام لا تنتهي عند مجرد نظرة عابرة، بل قد تتعداه إلى أمنية، ثم إلى رغبة، ثم إلى كلام، ثم إلى موعد، ثم إلى لقاء وعشق، وقد يكون في هذا خسارة للطرفين، في الدنيا والآخرة، وبعض العشاق والعياذ بالله يصل قلبه إلى حد التأله لهذا المعشوق، حتى إنك لا تجد في قلبه إلا معشوقه.
ويقول أحدهم: إنني وأنا ساجد بين يدي رب العالمين تبارك وتعالى أتذكر معشوقي الذي يؤمن به، إنه يدعو الله، ويسبح الله، وليس في قلبه إلا معشوقة، ولا يُخْلص في الدعاء إلا إذا جاء ليدعو له -والعياذ بالله - فهذا يؤكد لك أن هذا نوع من الشرك الخطر: الذي إذا أصاب قلب الإنسان، فقد حصل منه الشيطان على أمر عظيم.
فلا بد أولاً: من الوقاية، ثم إذا وقع الإنسان -فأيضاً- لا بد أن يكون عنده صدق في الرغبة في التخلص، أما إنسان يتلذذ بسماع كلام عن العشق، والسؤال عن هذا الموضوع، وعرضه في المناسبات -مثلاًَ- لكن تجد أنه في قرارة نفسه مرتاح بما هو فيه، ولا يطمع أو يتطلع إلى الخلاص، فمثل هذا لا حيلة فيه، فلا بد أن يكون عند المصاب نفسه شعور بوجوب التخلص وجدية الانعتاق من هذا الأمر، بحيث إنه يسأل الله بصدق، وينطرح بين يديه، وبحيث إنه يحرص على أن يملء قلبه بمحبة الله وتعظيمه، حتى لا يصبح قلبُه خالياً خاوياً، تتراكض فيه الشياطين كما تتراكض الذئاب في البرية، ويحرص على الطاعات والعبادات، وعلى فطم نفسه عن كل أمر يؤدي إلى زيادة هذا الحب أو العشق، ومعرفة ما قد يوجد من عيوب فيه، وتَذَكّر العيوب الموجودة في أي إنسان.
وأخيراً: فقد كتب الإمام ابن قيم الجوزية فصولاً مهمة في هذا الأمر، في: كتاب: الجواب الكافي، وكذلك في: زاد المعاد في الجزء الثالث المتعلق بالطب النبوي، حيث عقد فصلاً لعلاج العشق، وربما يقول بعضهم: أنا مصيبتي أنني قرأت هذه الفصول، وحفظتها ورددتها، لكنني ما ازددت إلا شدة، سنقول نعم: بلاؤكَ فيكَ وما تشْعُرُ وداؤك منكَ وما تبْصِرُ إن لم يوجد عند الإنسان -كما أشرتُ- رغبة في الارتفاع والتطلع، والخروج عن هذا المأزق، فلا حيلة، ومع ذلك إذا كان الزواج ممكناً، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لم يُرَ للمتحابَّين مثل النكاح} .