النظر في المصالح والمفاسد

النقطة السادسة: -وهي قضية مهمة- وهي قضية المصلحة والمفسدة، لماذا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر حتى نحقق المصالح وندفع المفاسد، وإنما بعث الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من أجل جلب المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها، فأنت حين تأمر أو تنهى تقصد المصلحة.

فلو علمت أن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر يترتب عليه مفسدة حينئذ يكون ممنوعاً عليك، ولهذا يقال: إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله خرج مع بعض تلاميذه من دمشق، كما ذكر هذا الإمام ابن القيم، فلما خرجوا مروا ببعض التتر وكانوا يشربون الخمور خارج دمشق أيام غزوهم لبلاد الإسلام، فهمَّ بعض تلاميذ شيخ الإسلام بالإنكار عليهم وذهبوا إليهم، فقال شيخ الإسلام: دعوهم، اتركوهم وما هم فيه، قالوا: رحمك الله نتركهم على هذا المنكر، قال: نعم، إن هؤلاء القوم لو صحوا من سكرهم لدخلوا دمشق، وهتكوا أعراض النساء، ونهبوا الأموال وقتلوا الرجال، فما هم فيه الآن، وإن كان منكراً إلا أنه أخف من المنكر الذي يمكن أن يحصل لو تركوا شرب الخمر.

إذاً القضية قضية العمل على تحصيل المصلحة الأعظم ودفع المفسدة الأكبر، ولذلك العقل والشرع -أيضاً- هو تحصيل خير الخيرين ودفع شر الشرين، وإلا لا يكاد يوجد في الدنيا مصالح محضة (100%) ولا مفاسد محضة (100%) إلا أن المسألة مسألة موازنة أيهما أعظم، فإذا كانت المصلحة أعظم حصِّلها، وإذا كانت المفسدة أعظم ادفعها، ولذلك لا بد أن توازن بين المنكر الصغير وبين المنكر الكبير، فتبدأ بالأكبر قبل الأصغر، وكذلك إذا ترتب على المنكر منكر أكبر منه فدعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015