من وسائل الأمر بالمعروف: الكلمة

ومن الوسائل مثلاً الكلمة، الكلمة الهادفة سواء أكانت درساً أم محاضرة أم نصيحة بعد الصلاة أم خطبة أم كلمة تلقيها أمام زملائك ومجالات الكلمة واسعة جداً، تخصص هذه الكلمة للتنبيه على منكر من المنكرات وتكون هذه الكلمة بأسلوب مناسب.

ومن الأمور التي ينبغي أن تراعى في هذه الكلمة أن لا تكون هذه الكلمة ضربة في الوجه، -مثلاً- افترض أنك تريد أن تنكر أحد المنكرات الظاهرة، ومثالها اليوم أنك لا تكاد تجد مجتمعاً إلا وفيه من يشرب الدخان، أو يسبل في ثوبه، أو يحلق لحيته أو يرتكب بعض المعاصي -مثلاً- فهل معنى ذلك أني إذا أتيحت لي فرصة الكلمة، أحمد الله وأثني عليه، وأقول: الناس اليوم يحلقون لحاهم، وحلق اللحى ورد فيه كذا وورد فيه كذا، بهذا الأسلوب.

قد يخرج الناس بانطباع لا يخدم قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الحالة، وقد لا يستجيبون لك.

ولكن لو أنك بدأت بقضية أكبر من هذه -مثلاً- قضية التشبه بالمشركين ولماذا نهى الإسلام عن التشبه بالكفار وتذكر أدلة وأمثلة وكلام المؤرخين وكلام الناس المعاصرين، بحيث تتدرج بعد ذلك، وتضرب الأمثلة لبعض التشبه الذي وقع، وتأتي بقضية حلق اللحية كمثال على التشبه بالمشركين -مثلاً- فضلاً عن أنه ورد فيها نصوص خاصة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: {أعفوا اللحى} إلى غير ذلك، وتنطلق من هذا المنطلق، فإنك بعد ذلك تجد أن الحاضرين وإن كانوا حليقي اللحى، إلا أنهم تقبلوا كلامك، ودخل في قلوبهم ونفوسهم واستساغوه.

وقد ذكرت لبعض الزملاء أنه حصلت لي قصة يوماً من الأيام في إحدى المدارس: زرت إحدى المناطق في هذه المملكة، فرأيت أن المدرسة التي زرتها يوجد فيها عدد كبير من المنكرات.

فآليت على نفسي أنني لا بد أن أقول لهم شيئاً عنها، فلما تحدثت ذكرت كلاماً عاماً عن الشباب ومشكلات الشباب، وأوضاع الشباب وما يجري لهم، وخطط الأعداء والغربيين للقضاء على الشباب حتى ارتاح الحاضرون جميعاً، وأحسوا بأن هذا كلام جيد، وهم يحتاجون إلى مثله، وربما لم يسمعوه في بلادهم، باعتبار أنها بلاد نائية إلى غير ذلك.

بعد هذا تكلمت عن الاعتزاز بالإسلام، وأن المسلم عزيز، وأنه هو الأعلى، الأعلى في دينه، الأعلى في عقيدته، الأعلى في سلوكه، وفي منهجه، وفي تاريخه وهكذا وذكرت أن المسلم العالي لا يقلد الكافر النازل، كما أن الكبير لا يقلد الصغير، والمدرس لا يقلد الطالب، وإنما الذي يحصل هو العكس، أن الصغير يقلد الكبير، والطالب يقلد المدرس، والمغلوب يقلد الغالب، ثم ذكرت هذه القاعدة، ثم انتقلت إلى التشبه بالمشركين، وما ورد فيها من النصوص، ثم ذكرت كل المنكرات التي رأيتها، وأدخلتها في باب التشبه.

فخرج معي أحد الأساتذة، وكان يحدثني ويقول: جزاك الله خيراً أنت في الواقع أنكرت علينا، ولم نجد في أنفسنا من هذا الإنكار شيئاً، لكن فلاناً من الناس، وذكر شخصاً على رغم صغر سنه وعدم خبرته إلا أنه يقوم على المنبر ويتكلم بكلمات مبتذلة عن بعض هذه الأمور.

حتى أنه ذكر لي: أنه يوماً من الأيام خصص خطبة للكلام عن حلق اللحية، وكان من ضمن ما قال: إن الذي يحلق لحيته مخنث، فهم بطبيعة الحال فهموا كلمة مخنث على غير وجهها؛ لأن الخطيب يقصد بمخنث أي: أنه إنسان يتشبه بالنساء، وفيه ليونة وفيه ترف وفيه تفسخ لا أكثر، هذا هو معناها اللغوي، لكن العرف الاجتماعي يفهمون من هذه الكلمة، أنه يقصد بها أنهم أصحاب فساد خلقي أو فواحش أو ما أشبه ذلك، فعظم هذا الأمر عليهم، وكان سبباً في عدم قبولهم لهذا الأمر، الذي أنكره عليهم.

إذاً الكلمة سلاح، لكن ينبغي أن يحرص ويحسن الإنسان كيف يتسلل إلى قلوب الناس في إنكار المنكر الذي يراه عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015