Q ما هو السبيل إلى الحق بين أهل الباطل خصوصاً وأن أهل الحق رغم كثرتهم قلة بين أهل الباطل، ولا يملكون الإمكانية الكافية في الدعوة إلى الله جل وعلا؟
صلى الله عليه وسلم كثيراً ما نغفل عن قول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وهذه الغفلة جعلت عند بعضنا نوعاً من التعجل الذي قد يفّوت الخير الكثير؛ بسبب أن الإنسان يريد أن يتعجل في الوصول إلى النتائج، ويخيل إليه - أحياناً- أنه لا بد أن يصل إلى ما يريد، ليس ضرورياً أن تصل أنت يمكن أن يصل غيرك وإذا لم يصل فسيصل الجيل الذي بعدي، وقضية التعجل -أيضاً- أشرت إليها في محاضرة البارحة.
أما طريقة الدعوة: فادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.
إخوتي الشباب، إخوتي المستمعين: أقول: إن أهم أمر أتمنى أن يوفق الله سبحانه وتعالى الدعاة إليه هو أن يدعو الناس بحسن الخلق، بالتلطف، دخل رجل على أحد الخلفاء العباسيين فأغلظ له بالقول واشتد عليه، وكان هذا الخليفة فقيهاً عالماً، فقال له: قد بعث الله تعالى من هو خير منك إلى من هو شر مني، فقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] ما أنت خير من موسى ولا أنا شر من فرعون حتى تخاطبني بهذا الأسلوب.
أحياناً بعض الدعاة قد يغلظ على أخ له يوافقه في معظم المسائل؛ لأنه اختلف معه في مسألة من المسائل أو في جزئية من الجزيئات أحدهم يقول: سنة والآخر يقول: لا ليس سنة، مثل جلسة الاستراحة، أو وضع اليدين على الصدر بعد القيام من الركوع، أو رفع اليدين في تكبيرة الجنازة، أو رص الكعب على الكعب في الصلاة، الأول قال سنة والآخر قال ما ثبتت سنيتها، تجد أنه يمكن أن يصل الأمر بينهم الخصومة والمهاجرات إلى حد غير محمود، وكيف ترتكب محرماً لأجل سنة؟! أليس الذي علمك هذه السنة علمك أيضاً أنه لا يجوز أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث؟ أليس الذي علمك هذه السنة علمك أيضاً أنه: {كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} حسن الخلق، حسن التلطف، التبسم في وجوه الناس هو أهم ركيزة توجد في الداعية وتضمن له -بإذن الله- النجاح، ولذلك قال عليه الصلاة السلام في الحديث الذي رواه مالك وابن سعد وغيرهما وهو حديث صحيح: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق} وفي لفظ: {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق} وقال الله تعالى في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] كان خلقه القرآن، وكثير من الدعاة اليوم يحتاجون إلى جرعة من حسن الخلق، اللطف، عدم القابلية للاستفزاز.
فلا داعي إلى أن تكون أعصاب الداعية قابلة للاستفزاز في أية لحظة، حتى عندما يستفزك الإنسان بكلمة أو عبارة حاول أن تضبط أعصابك وتتحدث معه بالطريقة المناسبة، لأنه -كما أشار السائل- أن إمكانيات صاحب الحق قليلة بالقياس إلى إمكانيات صاحب الباطل، والإنسان يقدر الموقف الذي هو فيه، والطريقة التي يستطيع أن يصل فيها إلى ما يريد.