وفي هذه النصيحة أو الوصية النبوية أمور، أولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن عقيدة من أخطر العقائد في الإسلام، ألا وهي عقيدة ختم النبوة، وأن هذه الدنيا لن يأتيها نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، صحيح أن عيسى ينزل في آخر الزمان، لكنه ينزل حاكماً بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس آتياً بدين جديد، ولا يتنزل عليه وحي جديد، فأعلن النبي صلى الله عليه وسلم ختم النبوة، وأنه لا نبي بعده، وأن السماء لن تتفتح لنزول وحي بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وهذا كان من الأسباب التي تبكي المسلمين وتحزنهم عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيح: {أن أبا بكر قال لـ عمر -بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب بنا إلى أم أيمن نزورها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها -وأم أيمن حاضنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- فذهبوا إليها، فلما رأتهم خنقتها العبرة، وأسبلت دموعها وبكت، وارتعدت عندهم.
فقالا لها: يا أم أيمن، ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أما أني أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنى أبكي انقطاع الوحي من السماء.
لاحظ الفقه عند هذه المرأة، تقول: لا أبكي على الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، فإن ما عند الله خير له وأبقى {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] ولكني أبكي انقطاع الوحي من السماء.
قال: فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها} .