سعة رحمة الله وقبوله لتوبة عبده

إن المعصية كانت بالأمس نبتة ضعيفة، هشة، سهلة الكسر، كان بإمكانه أن يقتلعها، وإيمانه كان أقوى وأرسخ مما هو عليه الآن؛ أما اليوم فقد عظمت المعصية وتعمقت وامتدت وضعف إيمانه، فهو أعجز عن إزالتها؛ ولهذا فإن السعيد كل السعيد هو من يبادر المعصية في أوائلها ويحاذرها من بداياتها، ويتقيها.

أما إذا وقع فيها فقد يكون الخلاص صعباً، ومع ذلك فإن أولئك الذين ولغوا في المعاصي إلى أذقانهم، وغرقوا في تيارها؛ فإن الله تعالى يناديهم بقوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] .

أي: إنه لا ذنب أعظم من القنوط من رحمة الله عز وجل، فإن القنوط من رحمته ضلال وكفر، قال تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56] وقال: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] حتى أولئك الذين كفروا، وقتلوا، وزنوا، يقول الله عز وجل عنهم: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:68-70] .

ولربما جاء يوم يتمنى فيه أهل المعاصي أن لو كانوا قد استكثروا منها؛ لأنهم قد تابوا إلى الله تعالى توبة نصوحاً، كما جاء ذلك في حديث صحيح: {إن الرجل يقف بين يدي الله تعالى فيذكره بذنوبه -لا يذكر إلا صغارها، وينحي عنه كبارها- فيقول الله تعالى له: قد غفرتها لك وأبدلتها حسنات، فيقول العبد: يا رب! عملت ذنوباً لا أراها هاهنا!! فتبسم النبي صلى الله عليه سلم حتى بدت نواجذه} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015